على أحد مقاعد صالة مطار الملك خالد في الرياض، يجلس خالد (26 عاماً) مراقباً عقارب ساعته ليتأكد كم بقي من الوقت على موعد رحلته إلى مطار بيروت. في مقعد الطائرة يستلقي ابن العاصمة الرياض، مستغرقاً في التفكير حول كيفية قضاء 13 يوماً في لبنان. في المساء، وبعد وصوله إلى غرفته في الفندق الواقع في منطقة الحمراء وسط بيروت، لم يمكث وقتاً طويلاً فيها صواتجه إلى «السوليدير». «إذا لم تذهب إلى ساحة السوليدير، فإنك لم تسافر حقاً إلى عاصمة العالم، بيروت»، هكذا كان يعتقد خالد. ليس لأن تلك الساحة تختلف في شكلها العام عن قريناتها حول العالم، أو حتى في الرياض. فهي شارع عابر يعجّ ليلاً بالبشر، وتنتشر المقاهي والمحال على جوانبها، غير أن سر شهرتها تكمن في الزائرين الخليجيين والخليجيات لتلك الساحة التي يتوافدون عليها كل ليلة، صانعين حكايات خاصة لا تروى إلا منها. مئات الشبان والشابات السعوديون والخليجيون، حولوا السوليدير إلى مسرح متفجر بالحياة، يقدم كثيراً منهم أقصى ما يمكنه من الاستعراض في مظهره الخارجي. يتحولون إلى ما يشبه الآلات في غدوهم وروحهم لساعات طويلة في تلك الساحة، فيما يتسمر آخرون على كراسي المقاهي يراقبون خطوات من يمر حولهم. فعيون تراقب بنظرات مندهشة، وأخرى متلهفة، وثالثة تخبئ وراءها تخطيطاً ما، وآخرون منشغلون بأجهزتهم يبحثون عمن حولهم عبر تقنية البلوتوث، في مشاهد تتكرر حتى ساعات الصباح الأولى. تجتمع خمس فتيات خليجيات في أحد مقاهي السوليدير. كل واحدة منهن تحمل هاتفها، فيما يحاول شبان آخرون التقاط أي إشارة منهن للتأكد من أن رسالة «البلوتوث» وصلت إحداهن. وفي مقهى آخر في الساحة ذاتها تنفث فتيات أخريات دخان النارجيلة، ولا يفصلهن سوى أمتار عن شبان يتبادلون النظرات فيما بينهم بانتظار فرصة سانحة لبدء «علاقة صيفية». ولعل أكثر الفرحين هم عمال المقاهي وأصحابها، خصوصاً بعد حلب جيوب ضيوفهم، فعلى رغم الغلاء الفاضح في جلسات المقاهي، إلا أنه يتم برضا الخليجيين، وربما باتوا مجبرين بعد أن أصبحت الساحة «ملتقى الخليجيين والخليجيات».بعض الخليجيين يخجلون من تصرفات أبناء جلدتهم هناك، غير أن بعضهم يقول إن الشبان والشابات «يفتقدون لمثل تلك الساحة في بلدهم، لذا فهم يشعرون بحريتهم فيها»، وآخرون يرون أن تلك «التصرفات طبيعية نتيجة التقاء الشبان والبنات، خصوصاً ممن يبحثون عن التعارف والصداقة». وسط جموع العابرات، تبدو شابة خليجية تمشي الهوينا، غير أن ما يلفت النظر إليها قطعة من الشاش ولاصقة طبية وضعتها فوق أنفها. للوهلة الأولى يظن العابر بجوارها أنها تعرضت إلى حادثة ما أدت إلى إصابتها. ولكن ما يدحض هذا التفكير ظهور فتيات أخريات بأنف «مرقع» مشابه، والحقيقة أنهن قمن بإجراء عمليات تجميل لأنوفهن، تتطابق مع أنف فنانة ما. فتجارة عمليات التجميل «الناعمة» تشهد خلال الصيف في لبنان ازدهاراً ملحوظاً، ويمتزج فيها الخداع والتدليس بالحقيقة والإتقان، إذ تقصد المئات من بنات الخليج أطباء بيروت لإجراء العمليات التجميلية، إضافة إلى البحث عن الأناقة، وارتداء الفساتين المزينة بتوقيع أشهر المصممين اللبنانيين، والاستسلام لأيادي مصففي الشعر، وخبراء المكياج. يعود الشاب خالد من جديد إلى الرياض، بعد أن قضى كمال ال13 يوماً، وهو لم يتعرف على لبنان السياحي بتاتاً، بل لم يتعد بضع أماكن، كالأشرفية والسوليدير والحمراء، وهو المشهد الذي يتكرر مع شبان آخرين.