نسيان. فقدان ذاكرة الوقت. مشاكل في اختيار الكلمات المناسبة. وبمرور الوقت يختلط الأمر على المصابين، ثم يشمل نسيان الأسماء والأماكن والمواعيد والأحداث القريبة، مع تقلّبات في المزاج وشعور بالإحباط نتيجة فقدان الذاكرة. إنه مرض ألزهايمر Alzheimer، الذي يحمل إسم طبيب الأعصاب الألماني إلواس ألزهايمر، وهو من وصفه للمرة الأولى. وحاضراً، يعتبر ألزهايمر أكثر أمراض الخرف شيوعاً. إذ يعاني منه 36 مليون مريض. ويتوقع أن يبلغ عدد مصابيه 66 مليوناً عام 2030. وتتكلّف بحوث علاجاته الحديثة 70 مليون دولار يومياً. وقد كُرّس الحادي والعشرون من أيلول (سبتمبر) يوماً عالمياً له. في هذا السياق، نظّمت «الجمعية المصرية لرعاية مرضى ألزهايمر وأسرهم» أخيراً، احتفالية في القاهرة، خُصصت لاستعراض البحوث الحديثة، والتواصل مع رعاة المُصابين بهذا المرض. مراحل ثلاث تنتهي بالموت خلال الاحتفال عبّر أستاذ الطب النفسي في جامعة عين شمس الدكتور طارق عكاشة عن قناعته بأهمية توعية المجتمع بخطورة المرض، مشيراً إلى أن تلك التوعية لا تمنع حدوثه، لكنها تساعد في اكتشافه مبكراً. وأضاف أن التعايش مع هذا المرض سيصبح أكثر سهولة خلال السنوات المقبلة. وأشار عكاشة إلى أن المريض يمر بثلاث مراحل متمايزة. إذ يعاني في المرحلة الأولى فقدان ذاكرة الأحداث القريبة، مع بطء في أداء الأعمال اليومية، إضافة الى اضطراب في التعرّف إلى الزمان والمكان، وبذل نشاط زائد غير هادف. وفي المرحلة الثانية، تزداد شدّة الأعراض السابقة مترافقة مع ظهور اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب وظواهر ذهانية تتضمن هلوسات سمعية وبصرية. ويعاني المريض أيضاً مما يشبه الشلل الرعّاش («باركنسون»). ووصف عكاشة المرحلة الثالثة بأنها الأصعب، إذ يحدث نكوص تدريجي في القدرات العقلية والنفسية، فيبدو المريض كطفل يعتمد على الغير في أداء حاجاته كافة، وتنتهي هذه المرحلة بالوفاة. ويصيب ألزهايمر 1 في المئة ممن تفوق أعمارهم الستين عاماً، وترتفع هذه النسبة إلى 40 في المئة لمن تتجاوز أعمارهم 85 عاماً، و50 في المئة لفئة ما فوق التسعين عاماً. وأكّد عكاشة عدم وجود علاج شافٍ للمرض راهناً، وأن الأدوية تسعى لإبطاء تدهور حال المريض. وأوضح أن ألزهايمر يترافق مع ترسّب مادة «أمايلويد» على خلايا الدماغ، ما يؤدي الى ذوائها. وتحدث عن دواء اكتُشِف حديثاً يساعد في منع ترسّب «أمايلود» في الدماغ، وقد جُرّبب على الفئران بنجاح. وتوقع عكاشة التوصل خلال ال 15 سنة المقبلة، إلى أدوية شافية ل «ألزهايمر»، مشدداً على حاجة المريض الى العلاج المعرفي والتنبيهي والسلوكي لأنها تساعد على تحسين نوعية حياته. وفي السياق عينه، حدّدت الأمينة العامة ل «جمعية ألزهايمر في مصر» الدكتورة غادة مراد مجموعة من الصفات التي يجب أن تتوافر في من يتولى رعاية مريض ألزهايمر، مثل الصبر والحكمة والقدرة على تهيئة منزل آمن للمريض لتفادي تعرضه لحوادث جراء التجول داخل المنزل. وأشارت إلى أن راعي مريض ألزهايمر يحتاج إلى إعداد نفسي كي يستطيع تحمل تكرار الأسئلة من المريض وربما اتهامه بالسرقة أو الخيانة، مُبيّنة ضرورة تمتعه بمهارات مهنية ونفسية، إضافة إلى قدرته على التواصل مع المريض. وشدّدت مراد على وجوب الاهتمام براعي مريض ألزهايمر لأن هذا العمل يضعه تحت ضغط نفسي شديد، مُبيّنة أن البحوث أثبتت تعرض هؤلاء الرعاة للإصابة بأمراض اكتائبية بنسبة تصل الى 40 في المئة، خصوصاً عند إشراف احدهم على أحد أفراد أسرته مثل الأم أو الأب. ويُنصح راعي مريض ألزهايمر بالخروج يومياً لمدة 3 ساعات للتنزه أو مشاهدة أعمال كوميدية حتى لا يشعر بالاكتئاب. ونصحت مراد بضرورة تعويد مريض ألزهايمر الاعتماد على نفسه، خصوصاً في المراحل الأولى من المرض حين يكون قادراً على خدمة نفسه، لأن ذلك يحسن الحالة النفسية للمريض ويشعره بأهميته. البُعد الاقتصادي المُرهق في الإطار نفسه، رأت اختصاصية الطب النفسي في مستشفى فلسطين في القاهرة الدكتورة نادية العفيفي أن هناك بداية حقيقية للجمعيات الأهلية التي تهتم بحقوق المرضى عموماً ومرضى ألزهايمر خصوصاً. وتحدثت عن جمعيات خيرية وأهلية تقبل هؤلاء المرضى وتوفر لهم مستوى لائقاً من الرعاية. وشدّدت العفيفي على الحاجة الى المزيد من أماكن الرعاية، مُبينه أن خدمة مريض ألزهايمر تصل الى 500 دولار شهرياً، ما يفوق قدرة كثير من الأسر. وقالت: «هناك مشكلة في توفير الخدمات للمرضى الذين وصل عددهم في مصر إلى أكثر من 100 ألف مريض». ونبّهت العفيفي إلى أهمية وجود خدمات منزلية لرعاية المرضى الذين يشكل نقلهم من مكان إلى آخر مشكلة كبيرة. ورأت أن الدولة يجب أن تعطي مرضى ألزهايمر أولوية في الرعاية، على غرار ما يحصل في العالم المتحضر، حيث يصل حجم الإنفاق عالمياً على ألزهايمر إلى 6,4 بليون دولار سنوياً، خصوصاً مع زيادة نسبة المسنين في المجتمعات الصناعية المتطورة. وفي هذا الإطار، تحدث أستاذ الأمراض النفسية في طب عين شمس الدكتور ياسر عبدالرازق، عن الفارق الكبير بين العالمين العربي والغربي بالنسبة الى التعامل مع ألزهايمر. وشدد على غياب الوصمة عن مريض ألزهايمر في الغرب، وهو ما ينطبق على معظم المصابين بأمراض نفسية. وفي المقابل، ثمة وصمة تلاحق المصابين بمرض نفسي (وكذلك ألزهايمر)، في معظم البلاد العربية الفقيرة، ملاحظاً ان هذه الدول تهتم بالأمراض التي تلقي عليها العبء الأكبر، ما يضع ألزهايمر في مرتبة متأخرة. وأشار إلى أن الدول العربية التي لا تعاني مشاكل اقتصادية ملحّة، تعطي مرضى ألزهايمر عناية أفضل. وقال: «لقد عملت لسنوات في المملكة العربية السعودية. ولمست ما يُقدم لهؤلاء المرضى من الخدمات. فمثلاً، تبلغ موازنة المستشفى التخصصى في الرياض بليون ريال في العام، ما يتيح توفير أماكن للمرضى مع رعاية صحية ونفسية مناسبة، إضافة الى توافر طواقم من الأطباء والتمريض... هناك حركة تدريب للكوادر المحلية على رعاية مريض ألزهايمر، وأتوقع أن تتحمل الكوادر السعودية تلك المسؤولية في شكل كامل، خلال العقد المقبل».