يمثّل الانتشار الهائل للكاميرات الرقمية أحد المعالم البارزة في العصر الإلكتروني. لا يقتصر الامر على الكاميرا كأداة مستقلة، بل يشمل كاميرا الخليوي والويب وتلك التي ترافق أدوات رقمية مثل «أي باد» وغيرها. ويؤكد هذا السيل الطامي من الكاميرات الرقمية العلاقة الوطيدة بين العصر الإلكتروني والثقافة البصرية التي باتت شديدة الحضور في الحياة اليومية وثقافتها ومعطياتها. ويتعزز الإنطباع نفسه بوقائع مثل إعلان موقع «يوتيوب» أن عدد زواره يفوق البليونين يومياً، يضعون ملايين من الأشرطة المصورة على مساحاته الواسعة المخصصة لاستقبال أفلام الجمهور وصوره. ويتحدث كثيرون عن ان العصر الرقمي هو أكثف عصور البشرية في التوثيق البصري لحضارته، خصوصاً مع الميل العام لتوثيق أحداث شخصية ويومية عبر الصور والأشرطة المرئية المسموعة، يشمل ذلك الأفراح والأتراح والحفلات العامة والمناسبات الشخصية ولقاءات الأهل وغيرها. وحتى الاحداث العامة، لم يعد توثيقها بصرياً حكراً على الدول والمؤسسات، بل صار الجمهور وكاميراته الإلكترونية عنصراً أساسياً في هذا النوع من التوثيق. مثلاً، في مباريات كرة القدم، التي باتت تراقب مبارياتها الكبرى 42 كاميرا، تحضر كاميرات التلفزة والصحافة، إضافة الى آلاف الكاميرات التي تحملها أيدي الجمهور. ويصعب القول ان ذلك الأمر معزول عن الصعود التقليدي للتصوير نفسه، منذ بداياته في القرن التاسع عشر. إذ انتقلت الكاميرا تدريجاً من ايدي القلة المحترفة التي تجيد استخدامها وتحتكره، الى شرائح توسعت باستمرار. وفي مطلع القرن العشرين، ظهرت الكاميرا الشخصية، التي يتمكن غير المحترف من استعمالها بسهولة. ورافقها انتشار مِهن مختلفة تعتمد على انتشار الكاميرا، إضافة الى صناعة أفلام السيلوليد التي رافقت الكاميرا طويلاً. وبقول آخر، جاء العصر الرقمي لجمهور يمارس التصوير فعلياً، بل أن كاميرا الفيديو وأشرطته البلاستيكية، كانت رائجة قبل انبلاج عصر الكومبيوتر. محو أمية التصوير ضوئياً مع الطفرات المذهلة في انتشار الكاميرا الإلكترونية، يبدو ظهور كتب مخصصة للجمهور تتولى شرح التفاصيل التقنية لهذه الأداة، أمراً يكاد يوازي صنع كتب تُعلّم القراءة والكتابة. ولم يتردد الكاتب عمر نصر الدين البحرة، في وصف كتابه «الدليل الكامل في التصوير الرقمي- كتاب مرجعي في التصوير الفوتوغرافي الرقمي»، بأنه يهدف الى محو أمية التصوير الضوئي. صدر الكتاب في طبعته الأولى عن «الدار العربية للعلوم- ناشرون» أخيراً. ويتألف من 376 صفحة، بطباعة فاخرة. وتلاحظ في الكتاب كثافة استخدامه للصور في شرح التفاصيل التقنية للتصوير الإلكتروني، فكأنه يتحدث بلغة الصورة أكثر مما يفعل بالكلمات. وتشمل صور الكتاب، لقطات للكاميرا الرقمية ودواخلها وتراكيبها وعدساتها وبطارياتها. ويتصدى الكتاب لتفاصيل عملية التصوير، إذ يتحدث عن الكاميرات الرقمية وأنواعها وأجزائها. ثم يتناول العدسات وقوة التكبير البصرية والرقمية والضبط البؤري فيها وعيوبها. وبعدها يشرح الغالق الذي يتحكم بمرور الضوء، متحدثاً عن أنواعه وسرعاته وعلاقته مع الفلاش وتأخير اللقطات والتصوير المتتابع. وينثني الى شرح عن التعريض الضوئي ومقاساته وطريقة عمل مقياس التعريض الضوئي المبيّت في الكاميرا، وكيفية قراءة الكاميرا للونين الأبيض والاسود. ويتعرض لبرامج المعلوماتية المتصلة بالكاميرا وأنواعها وطرق الاستفادة منها. ويشرح الفيلم الإلكتروني الذي تحتويه الكاميرات، الذي يقوده للحديث عن وحدة الضوء في الصورة الرقمية. ويتضمن الكتاب فصلاً لافتاً عن الأجهزة التي تحوّل الفيلم التقليدي الى صور رقمية، وتعرف باسم أجهزة مسح الأفلام «فيلم سكانر» Film Scanner. وعلى رغم تصديه لمسائل تقنية حساسة، إلا أن الكتاب لا يقع أسير جمود اللغة التقنية، بل يسير في شروحه بسلاسة وبساطة.