توقفت كثيراً عند حديث الرسول «عليه الصلاة والسلام» الذي يقول «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، نحن نعلم أن أداة «إنما» تستخدم للقصر، بمعنى أن بعثة الرسول الكريم «عليه الصلاة والسلام» لم تكن لأي غرض آخر سوى «إتمام مكارم الأخلاق»، وتلك نقطة في منتهى الأهمية، لأننا عندما نفكر في معنى مكارم الأخلاق سنجدها تتجلى مع المخلوق ولا تتعلق بالخالق. قد يندهش من يتدبر هذا الحديث ويتساءل ببساطة ويقول: أين العبادات من الهدف الرئيس للبعثة المحمدية؟ ولماذا لم تدرج ضمن أهم أسباب إرسال خاتم الأنبياء عليه أفضل الصلاة والسلام؟ وتأتي الإجابة أبسط من السؤال، وتقول إن جميع الديانات السابقة أتت بالعبادات والتسبيح والسجود والركوع والابتهالات وذكر الله، وكل ما يتعلق بالخالق جل وعلا، فكم من عابد فاضت عيناه من الدمع في صومعته، وكم من ناسك خلا بربه يذكره ويسبح بحمده، وأتى رسولنا الكريم «عليه الصلاة والسلام» ليرسخ معنىً إضافياً يحط أو يرفع من شأن المخلوق من خلال تعاملاته مع المخلوق الآخر. فيذكر «صلى الله عليه وسلم» بأن سعيك في قضاء حاجة أخيك خير لك من الاعتكاف في روضة الرسول شهراً كاملاً، وحرمة المسلم على أخيه المسلم أعظم عند الله من البيت الحرام، وتأتي الكبائر على الترتيب الذي ذكره رسولنا العظيم «صلى الله عليه وسلم»، إذ يبدأ بالشرك بالله، ثم عقوق الوالدين، وقول الزور قبل ترك الصلاة، وقبل جميع الأعمال الأخرى التي بين العبد وربه. ومع التصديق الكامل والإيمان التام بأهمية وعظمة الصلاة، وأنها عماد الدين وعمود الأمر، إلا أن كثيراً من الناس يغفل عن الهدف السامي لبعث سيد الخلق «عليه الصلاة والسلام»، فنجد من يجلس في المسجد ساعات طويلة بعد صلاة الجمعة يسبح ويذكر ربه، بينما سيارته تحبس سيارات العباد وتعطلهم عن أداء أعمالهم، ظناً منه بأنه ينهل من الحسنات بهذا الذكر وذلك التسبيح، وتجد من يتسلق فوق أكتاف العجائز ورقاب الضعفاء عند الحجر الأسود ليقبله احتساباً للأجر، وهو لم يجن سوى المعاصي وغضب الرحمن، والشاب الذي يشتم والديه لأنهما لا يصليان ويحتد معهما في الحوار بصورة تحبط جميع أعماله من حيث لا يدري. الأمر جد خطر ويحتاج إلى تروٍ وفهم للحديث الذي يقول «أعظم ما في ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق»، ولم يقل حجاً مبروراً أو شهادة في سبيل الله مثلاً، مع عظمة تلك الأعمال وسمو قيمتها. ونظل نحتاج إلى وقفات وإعادة نظر في تربية النشء والأجيال المقبلة حتى نعود ونسود العالم مرة أخرى، كما فعل أجدادنا الذين فهموا مغزى الالتزام من خلال اليتيم والمسكين، والسائل والمحروم، وصلة الرحم والوالدين، والجار والضيف وغيرهم، وحتى الحيوان وجدناه في ديننا الحنيف، فقد رفع كلب رجلاً سقاه إلى أعلى الجنة، وأطاح بإمرأة قتلت هرة في أسفل النار. مستشفى الملك عبدالعزيز الجامعي جامعة الملك سعود Tareq [email protected]