في المسلسل المصري «عاوزة أتجوز» رفعت هند صبري صوتها - في دورها كشابة صيدلانية - عالياً مصرحة برغبتها قائلة: «عاوزة اتجوز». وفي الحقيقة ان احداث المسلسل كلها تدور حول طرق ساخرة تفتش فيها فتاة عن زوج، والكل يتدخل في عمليات تأمين هذا الزوج من «طنط حشرية» إلى «عمو ديسكو» إلى «بياعة اللبن» ومحاولة فاشلة عبر الانترنت، لكن جميع هذه المحاولات لا تنجح، فالزواج في النهاية ليس طبخة تنجح بمجرد ضبط مقاديرها، حتى الطبخة نفسها ستختلف حتى لو توافرت لها نفس المقادير لأن هناك عاملاً حساساً اسمه «النفس»، فما بالك بالزواج الذي هو حالة اختيار انسانية تنشأ بين طرفين، تتفاعل فيها وتتمازج الأرواح والأخلاق والطباع، ويسميها البعض الكيمياء، وهي حالة مهما حاول البعض رصدها فإن هناك سراً غامضاً يحتاج إلى أن يلمسه الإنسان بنفسه لا عن طريق وسيط، وقد يفسره البعض بأنه نوع من التجاذب الروحي ولهذا قيل «إن الأرواح جنود مجندة ما تشابه منها ائتلف وما تنافر منها اختلف»، وإذا كانت فتاة مصرية استطاعت أن تخرج من حصار مجتمع عربي محافظ تتوافر فيه فرص الاختلاط في العمل والجامعات والشارع قد أصبحت تعاني الأمرين بسبب ظروف الحياة الجديدة لكي تتزوج، فماذا تقول كثير من فتياتنا السعوديات اللاتي وجدن أنفسهن في بيئة مركبة ما عادت هي بيئة الريف البسيطة التي تعرف فيها الفتيات في بيوتهن ويجدن أنفسهن أول المرشحات لأبناء معارفهن وأبناء عمومتهن، وما عادت هي نفس بيئة الزواج في مجتمع البداوة قديماً، والتي وصف فيها أحد الرحالة دور البئر ونشاط سقيا الماء في توفير فرص التعارف بين الفتيات والشبان، حيث يختار كل شاب فتاته وبعضهن يعشن قصص حب بريئة وطاهرة تنتهي بالزواج. اليوم ومع تعقّد مجتمع المدينة وانهيار شبكة العلاقات التقليدية وضعف النمط التقليدي للخطبة والزواج أصبحت الفتيات اللاتي قد لا تتوافر لبعضهن فرصة عمل تربطها بالمجتمع والتي لا تمكنها ظروفها العائلية من الخروج والاختلاط بالناس رهينة عزلة تجعل من حظها بالزواج ضعيفاً بل تكاد تنعدم لهذا بلغ عدد غير المتزوجات حتى سن الثلاثين في المجتمع السعودي اكثر من المليون ونصف عازبة، وهو رقم يكشف عن مدى القسوة التي تقود لها عزلة فتاة المدينة والتي لا يزال المجتمع يريد منها أن تتزوج بذات الطريقة القديمة للزواج. ان فتياتنا في مثل هذه الظروف يحتجن إلى نسخة سعودية من مسلسل «عاوزة أتجوز» يعترف فيها الفتيات بحظهن العاثر وأزمة ما تعرف بظاهرة العنوسة.