تحمل سلسلة الأفلام التسجيلية التي أنجزها الصحافي الفرنسي دييغو بينول وعرضتها النسخة الأوروبية من قناة «ناشيونال جيوغرافيك» عنواناً عاماً طريفاً وذكياً هو «لا تخبر أمي». يحمل العنوان تلك الشقاوة المحببة، مع الإثارة التي يمكن ان يوحي بها «الفعل» الذي يريد ان يخفيه الإبن الشاب عن والدته، والذي ستكشفه السلسلة. فالصحافي يسافر الى اكثر المناطق خطورة في العالم ليقدم من هناك حلقات تحاول ان تذهب ابعد قليلاً مما تقدمه نشرات الأخبار والتقارير العامة التي تهمين على وسائل الإعلام. ففي حلقة العراق التي صورت العام الماضي، يذهب الصحافي الى احد نوادي كمال الأجسام في بغداد، ويُقابل مجموعة من الشباب العراقيين وهم يمارسون هوايتهم المفضلة، فيستمع اليهم ويتعرف الى أحلامهم التي لا تتجاوز الرغبة في الحصول على فرص عمل جديدة مثل الحراسة الشخصية او حراسة المباني الخاصة. كذلك يسلط الفيلم التسجيلي الضوء على ازمة شباب عراقيين آخرين يمارسون بسرية هواية عزف موسيقى الروك الثقيلة. كما يذهب الفيلم الى شمال العراق، وإلى اكراد يتاجرون بتهريب المشروبات الكحولية الى المناطق العربية في العراق، كذلك الى الجارة ايران. يكاد كل موضوع مرّ في الفيلم التسجيلي ان يرتبط بالوضع العراقي السياسي والأمني والتاريخي. فالمتحف الذي يزوره الصحافي في مدينة السليمانية في شمال العراق، هو اول متحف في المنطقة يهتم بالكامل بأساليب التعذيب التي كان يمارسها النظام العراقي السابق، بعدما حوّلت بلدية المدينة الكردية السجن القديم التابع لنظام صدام حسين الى متحف يحاول ان يسجل لحظات الرعب الحقيقية التي عاشها كل من مر هناك. حتى عندما زار فريق الفيلم محال كواء الملابس لمقابلة العاملين هناك، انتقل الحوار سريعاً من الحديث عن حياتهم اليومية العادية الى صفوف الملابس المعلقة منذ سنين، والتي لم يعد اصحابها لاستلامها، لأسباب يرجعها صاحب المحل، الى مقتل او هجرة ناسها... وهكذا بدت الملابس المتروكة هناك، اشد ايلاماً ربما من صور اخرى قدمت الخسائر المدنية العراقية. ولأن الفيلم صور العام الماضي الذي شهد انخفاضاً في عمليات العنف في العراق مقارنة بالأعوام السابقة، كان بالإمكان تسجيل عودة الحياة الطبيعة الى العراق، مثل تقديم صور لحفلة زفاف جماعية عراقية، ساعدت في تنظيمها بلدية بغداد لمجموعة من العراقيين الذين لا يملكون المال الكافي لإقامة حفلاتهم الخاصة. كذلك صور الفيلم جزءاً من عمل البورصة العراقية التي تشرف على ادارتها عراقية، لم تخف فخرها بأن اجدادها السومريين كانوا اول من فكر بنظام الأسهم، وأول من اقام بورصة لبيعها. مديرة البورصة العراقية كشفت ايضاً ان هناك حركة كبيرة في السوق العراقية، وأن بعضهم يفكر بدخول عالم الفنادق، استعداداً لحركة سياحة يمكن ان تصل الى العراق قريباً. لكن أولئك الذين تابعوا حلقة العراق من برنامج «لا تخبر أمي» سيترددون كثيراً قبل ان يفكروا بزيارة العراق في المستقبل القريب. فالمقدم يكشف في الدقائق الأولى من البرنامج عن الإجراءات الأمنية التي اتخذت بحق فريق التصوير في بغداد. كما ان الفريق الفني احتاج الى فريق يفوقه عدداً من الحراس العراقيين الذين لم يتركوهم لحظة واحدة. وكان يمكن مشاهدة المسدسات الشخصية مع الحراس الشخصيين كلما ظهروا على الشاشة. على رغم ذلك كله، يكسر برنامج الرحلات المختلف هذا، هيمنة نوعية واحدة من البرامج الأجنبية التي تدنو من موضوع العراق وحياة ناسه منذ الحرب التي قادتها الولاياتالمتحدة عام 2003... خصوصاً بتسجيله لحظات سعادة عابرة تعكس حالة استقرار نسبية، دون ان يبتعد عن عمق الجروح التي تركتها الحرب وسنوات العنف العراقي الطويلة.