اذا كانت المفاوضات الفلسطينية - الاسرائيلية، التي تستأنف اليوم في شرم الشيخ وغداً في القدس، هي «آخر فرصة للسلام بين الجانبين»، كما قالت وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في تحذير لمحمود عباس وبنيامين نتانياهو من عواقب الفشل، فإن المسؤولية الكبرى، اذا حصل ذلك، ستقع على الجانب الاميركي، وعلى هذه الادارة بالتحديد، لأنها دفعت الجانبين الى المفاوضات المباشرة من غير ان تقرأ جيداً الضغوط التي يتعرض لها الرئيس الفلسطيني والتي تحول دون تقديمه التنازلات المطلوبة، وكذلك، وهذا الأهم، من غير أن تكون مستعدة لتوفير العدّة اللازمة لإنجاح المفاوضات، والتي تتمثل في الضغوط التي لا بد منها على حكومة نتانياهو، والتي لا يستطيع أحد أن يمارسها الا ادارة اوباما ... اذا شاءت ذلك. بدلاً من ذلك فإن ما فعلته هذه الادارة هو ارغام ابو مازن على القدوم الى طاولة المفاوضات، وهو الذي يدرك جيداً حدود المناورة التي يملكها وحجم الضغوط التي يتعرض لها من داخل بيته ومن قطاع غزة، حيث «حماس» ومن وراءها يقفون له بالمرصاد، عند اول خطوة يقدم عليها باتجاه تسهيل التسوية مع الاسرائيليين. وما فعلته هذه الادارة ايضاً هو تطييب خاطر نتانياهو وشركائه في حكومة الاستيطان والتهويد، من خلال طمأنتهم، كما فعل اوباما قبل ايام، الى أن ادارته لن تفرض حلاً على أحد: «القرارات تعود الى الطرفين، ولا نستطيع ان نأخذها عنهم»، في تجاهل كامل للشروط التي يجب ان يقوم عليها السلام، والمتمثلة في احترام قرارات الشرعية الدولية الذي لا بد منه لقيام السلام العادل الموعود. اذ في غياب هذا الاحترام يصبح ترك القرارات للطرفين بمثابة تسليم رقبة ابو مازن لنتانياهو وشريكه في «صنع السلام» أفيغدور ليبرمان. يقول المؤرخ البريطاني افي شلايم، العراقي الاصل واليهودي الديانة، واستاذ العلاقات الدولية في جامعة اوكسفورد، في مقال قيّم نشره في صحيفة «الغارديان» البريطانية قبل أيام (7 أيلول/سبتمبر): «ان دفع الاسرائيليين والفلسطينيين الى الجلوس حول الطاولة ومطالبتهم بالتوصل الى اتفاق في ما بينهم هو مثل وضع الأسد والحمل في قفص واحد ومطالبتهما بتسوية خلافهما... من الواضح ضرورة تدخل طرف ثالث. ولنقل الامور ببساطة، فلن تكون هناك تسوية ما لم تدفع الولاياتالمتحدة اسرائيل بالقوة الى تسوية». عندما تفشل هذه المفاوضات، كما يتمنى المغرضون وكما يتخوّف المخلصون وكما يتوقع المراقبون، ستكون نتائج هذا الفشل كارثية على أنصار السلام في المنطقة وعلى معارضي الحلول الانتحارية والتهديدات التدميرية. كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات قال ان هذا الفشل «سيشكل نهاية السلطة الفلسطينية». وليس صعباً أن يُسمع ابو مازن يقول الكلام ذاته في مجالسه الخاصة او ان يرى هذا المصير في احلامه. ولن تكون السلطة الضحية الوحيدة، فارتدادات مثل هذا الفشل لن تكون اقل اثراً من ارتدادات الهزائم الاميركية المتوالية في غزوات افغانستان والعراق، والآن هذا «الغزو السلمي» للساحة الفلسطينية تحت شعار تحقيق السلام. لهيلاري كلينتون ان تفاخر بأنها تستقرىء المستقبل عندما «تتنبأ» بأن هذه ستكون آخر المفاوضات. لكن... ماذا عن دور بلادها في المنطقة وماذا عن سمعتها كوسيط محايد في هذا الصراع، هو الوحيد القادر على ايصاله الى نهايته، اذا شاء ان يكون وسيطاً محايداً وعادلاً؟ ألا يمثل هذا الفشل نهاية الدور الاميركي ام ان هذه الادارة لا تعير وزناً حتى لخسارة دورها وسمعتها ومصالح حلفائها، في واحدة من أخطر مناطق التوتر في عالم اليوم؟