أكد وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ أن استغلال النصوص وتأويلها كان الوسيلة الأساسية للخوارج عندما قتلوا الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يقرأ القرآن في بيته، وذلك بناء على شبهتهم في مسائل المال والولايات. وأكد آل الشيخ في الجلسة التي ترأسها مساء أمس بعنوان: «الأمن الفكري، تأصيل المعالجات الشرعية»، أن الخوارج أقدموا كذلك على «قتل علي بن أبي طالب رضي الله، عنه بسبب شبهتهم في تحكيم القرآن والحكم بغير ما أنزل الله». وأثنى آل الشيخ على أوراق المحاضرين الذين قدموا أوراقهم في فعاليات اليوم الثاني من أيام المؤتمر الوطني للأمن الفكري، وهم كل من الدكاترة عبدالله الغملاس وعبدالله الجيوسي ومشرف الزهراني وعبدالرحمن مدخلي وعبداللطيف الحفظي وحامد الجدعاني. وتحدث الغملاس عن قضية النصوص الشرعية المتشابهة تشابهاً نسبياً، أو المتشابهة تشابهاً إضافياً كما يطلق عليها علماء آخرون، مؤكداً أن «تأويل المتشابه له قواعده عند الراسخين في العلم، وأن من طرق طريق العلم الراسخ في تأويل النصوص المتشابهة ركب معتقدات سيئة»، ضارباً عدداً من الأمثلة لكيفية خطأ بعض الاتجاهات الضالة في التاريخ الإسلامي في تأويل النصوص وطريقتهم في إدخال الاشتباه في النصوص، مشدداً على خطورة التعامل بالنصوص المتشابهة، وأهمية علم أصول الفقه في استنباط الأحكام وطرق الاستدلال. وبين الغملاس في ورقته أن «الغرض من وضع الله تعالى المتشابه هو ابتلاء العقول والقلوب، وأن طريقة أهل العلم الراسخين في ذلك هي رد المتشابه إلى المحكم من كتاب الله». من جهته، تحدث الجيوسي عن الأمن النفسي ومقوماته في العقيدة والشريعة، لافتاً إلى أهمية الأمن في القرآن، «إذ ذكرت مفردة أمن في القرآن 800 مرة». وأوضح أن «سلامة الفكر مطلب رئيسي للأمن النفسي»، مقدماً نماذج من أثر الفكر في السلوك في القرآن وتبادلية الفكر والسلوك في التأثير، وفي نهاية ورقته أوصى «بتصدي المربين لعلاج خوارق الأمن الفكري، وأن تهتم الدول بتأمين حاجات أفرادها لتحقيق الأمن الفكري والنفسي لهم». واتجهت ورقة الدكتور مشرف الزهراني إلى توصيف التجربة التاريخية لصدر الإسلام في مواجهة تحديات الأمن الفكري، وحدد أهم ملامح الانحراف الفكري في صدر الإسلام في محاور عدة من بينها: النفاق وما تطور عنه، والانحراف الفكري المتعلق بسوء الفهم للنص الشرعي، والانحراف المتعلق بتقديس دور العقل كما هو عند المعتزلة، مبيناً أن «كثيراً من الحلول التي طرحتها الدول لهذه المشكلات لم تحقق أي نجاح يستحق الذكر»، موجهاً إلى «اعتماد الوسطية طريقاً إلى الحل، بما لا يتعارض مع أخذ عناصر الواقع المعاصر في الاعتبار». وأوصى الزهراني بخطوات للحل تتمثل في وجوب أخذ الباحثين في عنايتهم توصيف الفكرة المنحرفة وتتبع تطورها وعوامل هذا التطور ومظاهره، مشدداً على موقف العلماء والحكام وأجهزة الدولة، ومسؤولية الجهات العلمية والثقافية، مع أهمية أخذ الحاكم بالحزم في الأمور المتعلقة بأمن الفرد والمجتمع. وتحدث الدكتور عبدالرحمن مدخلي عن أهمية تأصيل جانب شمولية الفقه في الدين في التعامل مع المخالف، لافتاً إلى أن الفقه في الإسلام معناه الفهم وفهم الدين أيضاً، وله جوانب مهمة في تحقيق مفهوم الأمن الفكري وأسس التعامل مع الآخر. وضرب لذلك مثالاً بفقه الموازنات والأولويات والخلاف والائتلاف والمقاصد والنيات والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعدد مدخلي أهداف بحثه التي جاء من بينها «وجوب تأصيل مفهوم الفقه الشامل للدين في جميع جوانبه، واعتماد المنهج العلمي الوسطي، وتوثيق الائتلاف في الأمة وجمع كلمتها»، واستشهد بعدد من النصوص القرآنية والنبوية الواردة في أهمية الائتلاف الذي يجمع الكلمة وينهي الخلافات. وأوصى بأن تشكل لجان متخصصة تنبثق عن رابطة العالم الإسلامي وغيرها من المنظمات الإسلامية، وأن تهتم هذه اللجان بالعناية بالفقه ودوره في توطيد الأمن الفكري، مشدداً على أهمية دور وسائل الإعلام والمسؤولية التي تقع على عاتقها في هذا الشأن. أما ورقة الدكتور عبداللطيف الحفظي فعنيت ببحث الصلة بين الفكر والاعتقاد وعملية تبادل التأثر والتأثير بينهما، لافتاً إلى أن الأمن الفكري لا بد فيه من مقتضيات من أهمها «نبذ الآراء الفاسدة التي لا أصل لها والمنطلقة من الأهواء، وإيجاب التحاكم إلى الكتاب والسنة عند حصول النزاع الفكري»، مؤكداً على عقيدة الولاء والبراء ومعناها الشرعي، مبيناً بعض الصور المغلوطة لما يعتقده المخربون من أنه من أصل البراء. وانتقل الحفظي بعد ذلك إلى قراءة في مفهوم الإمامة الكبرى والمراد منها وضرورتها، وكيفية اعتماد هذا المفهوم في حماية الأمن الفكري. مشدداً على التمسك بأصل الجماعة من خلال الأدلة الشرعية التي توضحه. وفي ختام الجلسة قدم الدكتور حامد الجدعاني مختصراً لورقته التي بيّن أنها «تهدف إلى توضيح الأساليب الشرعية في مواجهة الأفكار المتطرفة الهدامة»، معتمداً في ذلك المنهج الوصفي البحثي، الذي أخذت ورقته تقدم تعريفاً له وبياناً لأهميته، وأسباب نشوء الأفكار الضالة وأهدافها وطرقها في الوصول إلى أهدافها، وأثنى بوضوح على جهود المملكة في مجابهتها.