من «الآشولي» و «اليبرودي» إلى «الانتقالي» و «الأوريناسي الأحمري» إلى العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار، فتراتٌ مما قبل التاريخ، كشفتها طبقاتٌ أرضيةٌ يعود تاريخها إلى 800 ألف عام، في موقع «أم التلال» شمال تدمر في سورية. جمعت البعثة السورية - الفرنسية العاملة في الموقع مجموعة من الفؤوس اليدوية والمقاشط والنبال التي استُخدمت كأدواتٍ للقطع والثقب والقحف قبل مئات السنين، لتعرضها في المتحف الوطني في دمشق ضمن معرض سمّي باسم مكوّنها ال «صوّان». وعن دور الصوّان في المعرض، تقول الدكتورة هبة السخل مديرة الجانب السوري في البعثة السورية - الفرنسية الدائمة في أم التلال ل «الحياة»: «اخترنا الصوّان شاهداً على الحضارات القديمة، والمعرض يعطي فكرة عن هذه المادة وتطورها بشروحات بسيطة»، مشيرةً إلى أن البعثة بدأت عملها عام 1991 إثر اكتشاف عددٍ من اللُقى الصوانية السطحية على نبع ماء. تُؤرَّخ أقدم الفؤوس اليدوية في سورية ب 1,2 مليون سنة، وبينما تميز العصر الآشولي بالصناعة الحصرية للفؤوس اليدوية، تحولت الفؤوس في فترة اليبرودي إلى شظايا لتصل أخيراً إلى النصال في العصر الحجري الحديث ما قبل الفخار. البيوت المبنية والأواني الحجرية ظهرت في العصر الحجري الحديث، إضافة إلى الأدوات الجديدة كرأس الرمح والبلطة والمدقة، وينحصر وجود هذا العصر في بلاد الشرق الأدنى. ويؤكد مدير الجانب الفرنسي في البعثة البروفيسور في ما قبل التاريخ أريك بويدا أن «ليس لهذه المكتشفات نظيرٌ في منطقة الشرق الأوسط»، موضحاً أن «وجود هذا العدد الكبير من الطبقات والمراحل التاريخية في الموقع نفسه، أمرٌ نادر. ففي لبنان والأردن وغيرها وجدنا ثلاث وأربع طبقات لكنها المرة الأولى التي نشاهد فيها هذا». ويضيف بويدا: «وجدنا طبقات نباتية، وغطت آلاف القطع من عظام الحيوانات بعض الطبقات الأثرية، إلا أن الأدوات الصوانية هي التي تشكل أهم المواد الأثرية التي عثر عليها في فترات ما قبل التاريخ، وهذه المواد تختلف بحسب الفترات الزمنية وخاصية التربة ومدى حفظها». ويقدم المعرض، الذي يستمر حتى آخر الشهر الحالي «خلاصة المكتشفات الأثرية الحديثة التي عُثر عليها في حوض البادية التدمرية»، يقول الدكتور بسام جاموس المدير العام للآثار والمتاحف. عصور ما قبل التاريخ تعتبر من أطول الفترات الأثرية، فالإنسان استوطن في سورية قبل مليون و300 ألف سنة، كما يؤكد وضع الطبقات في مواقع «ندوية» و «كراكول» و «الغدير» في تدمر. أما أم التلال فلها موقع خاص على الخريطة الأثرية، اذ تتميز بوضع طبقي فريد بسماكة 20 متراً ومساحة تمتد آلافاً عدة من الأمتار المربعة، وتشهد الطبقات الأثرية المتتابعة على السكن الإنساني المستمر للموقع خلال 500 ألف سنة على الأقل.