اعتُبر الهاتف والاتصالات اللاسلكية، طوال عقود خلت، نقلة هائلة في التواصل بين البشر. إلا أن المواقع الإلكترونية المسماة بمواقع «التواصل الاجتماعي»، باتت تنافس الهواتف والبريد الإلكتروني والماسنجر جدياً في ميدان التواصل، لكونها تملك ميزة «نقل الحالة بتفاصيلها»، وهو ما لا توفره تماماً ادوات الاتصال التقليدية. يستطيع الفرد أن يجد كل من يخطر على باله في هذا العالم الفسيح، إذ استطاعت مواقع التواصل الاجتماعي نقل «المشاعر» أيضاً، فضلاً عن الصورة، إلى جانب اللحظية والمجانية التي تتمتع بهما. في السعودية مثلاً، بات «فيس بوك» (وإخوته) الوسيلة الفضلى لتواصل الأهل مع أبنائهم المبتعثين إلى دول العالم بغرض الدراسة، وهم بعشرات الآلاف. كما يعتبر الوسيلة المفضلة أيضاً للمقيمين (9 ملايين مقيم من أصل 28 مليون نسمة) الذين يتواصلون مع أسرهم وأصدقائهم حول العالم. ويمكن القول باختصار، إن «فيس بوك» استطاع لم الشمل أو جمع الشتات أكثر من أي وسيلة أخرى ووقت مضى، ليصبح بذلك آلة لقتل الغربة. لم يتوقع محمد غراب عندما أنشأ صفحة خاصة به على الموقع المذكور قبل ما يربو على العامين، انها ستكون الوسيلة الرئيسية لتواصله مع افراد اسرته، خصوصاً ان إنشاءه للصفحة في البدايات كان تقليداً لأصدقائه. ويقول: «عندما انشأت صفحتي في «فيس بوك» كانت لمجاراة الدارج، بأن تكون لي صفحة للتواصل مع اصدقائي، لكنني ادركت أهميتها بعدما سافرت للدراسة في بريطانيا قبل عام». ويضيف: «أصبحت الصفحة وسيلة تواصل يومية مع جميع افراد اسرتي، لا سيما ان لدى معظمهم صفحات شخصية على الموقع ذاته». ومن خلالها، يطلع محمد على أخبارهم وآخر مستجدات حياتهم، سواء بمتابعة آخر التحديثات أم من طريق الدردشة والرسائل. وأبعدت مواقع التواصل الاجتماعي عن محمد «شبح الغربة»، كما يقول، اذ اتاحت له فرصة التعايش مع كل من يهمه أمرهم. وهو ليس الوحيد الذي يتخذ من «فيس بوك» جسر تواصل، ففرح عمار أيضاً تحرص على التواصل مع اسرتها المنتشرة في دول الخليج والاردن عبر هذا الموقع. وتقول: «أتواصل يومياً مع بنات خالتي في دبي وأعايش تفاصيل حياتهن، على رغم بعد المسافة بيننا، اضافة الى تواصلي مع افراد اسرتي في العاصمة الأردنية عمّان، لا سيما أن كل فرد في العائلة لديه صفحته الشخصية التي ينشر فيها أخباره وصوره ونشاطاته». ووجدت رونية محمد من تحبهم بسهولة، بمجرد انها أجرت بحثاً باسم أو لقب العائلة للشخص الذي تريد ضمه إلى مجموعة «أصدقائها». وتقول: «فوجئت عندما وجدت عدداً من اقربائي انقطعت اخبارهم منذ فترات طويلة بسبب الغربة، واستقرارهم في دول اخرى بعيداً من بلدي الأم فلسطين». وتتابع: «أتاح لي الموقع فرصة التعرف الى ابناء عمومتي وأقارب لي، كنت اسمع عنهم من أبي، بعد أن انقطعت اخبارهم منذ فترة طويلة»، مشيرة إلى انها تخصص ساعات يومية لاستخدام الموقع والتحدث مع افراد اسرتها، ما اتاح لها فرصة التعرف اليهم عن كثب». ويشير أستاذ علم النفس في جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، خالد محمود، إلى إسهام المواقع المسماة اجتماعية في تقليص المسافات بين الاهل والاصدقاء: «ايجابيات تلك المواقع تفوق سلبياتها، فتقريب المسافات عبر قنوات ميسرة للتواصل الاجتماعي مع أفراد الأسرة، يبقى أهم ما فيها». ويشدد على ان أهمية هذه المواقع في قتل الاحساس بالغربة، «لا سيما ان المسافرين أو المغتربين يتعايشون مع اهاليهم يومياً بخلاف الماضي الذي كانت تقتصر فيه قنوات التواصل على وسائل معينة، ما كان يزيد من شعور الغرابة والوحدة لدى الأفراد».