تجدد الاهتمام بقضية التجديد في الإسلام بصورة مكثفة، بعد أحداث 11 أيلول (سبتمبر) 2001 في الولاياتالمتحدة الأميركية، والتي اتهم فيها الإسلام ظلماً وعدواناً بالإرهاب. أيضاً دعا بعض الكُتّاب الأميركيين إلى إعادة النظر في قضية التجديد في الفكر الإسلامي، وتحويلها من مجرد عمل فكري يفيد الإسلام والمسلمين إلى أداة في أيدي أعداء هذا الدين، واعتبر هؤلاء أن هذه أول محاولة لتجديد الفكر الإسلامي، وفاتهم أن التجديد تم على أيدي أبناء الإسلام منذ القرن الأول الهجري. مهّد سامح كُريم لهذه القضية في موسوعة «أعلام المجددين في الإسلام» الصادرة حديثاً في ثلاثة أجزاء عن مكتبة «الدار العربية للكتاب»، بالسؤال عن التجديد، وماذا يعني، ومن هم المجددون، غير غافل عن أحوال العالم الإسلامي في كل مئة عام، فقدم الأحوال المتعلقة بالبيئة التي كان يعيش فيها المجدد، وما يتصل بها من مواقف، في محاولة لتقديم صورة موجزة للعصر الذي كان يعيش فيه من نواحٍ عدة، منها: السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية. والسؤال عن جوانب تجديد المجدد، ومناقشة إلى أي مدى واكبت هذه الجوانب الحياة الإسلامية في سعيها المتجدد، وإلى أي مدى كانت هذه المواكبة ذات فائدة بالنسبة إلى المجتمع الإسلامي. يشير كُريم إلى أن الحديث عن معنى التجديد ورجاله، هو في حقيقة الأمر حديث عن الإسلام في أرقى صوره الفكرية، وأن الاهتمام بتاريخ حركة التجديد في الإسلام من شأنه الاهتمام بتطور الفكر الديني حيث ظهر جانب من هذا الحديث ظهوراً واضحاً في المئتي عام الأخيرة في كتابات نذكر منها كتابات: الأفغاني والكواكبي والإمام محمد عبده ومصطفى المراغي، ثم في كتابات الرواد المعاصرين، ومنهم: محمد حسين هيكل وأحمد أمين وطه حسين وعباس العقاد وأمين الخولي وتوفيق الحكيم ومحب الدين الخطيب، وأخذت اهتماماً بارزاً عند عبد المتعال الصعيدي، فأفرد لها كتاباً عنوانه: «المجددون في الإسلام»، إلى جانب ترجمة كتاب «الإسلام والتجديد» الذي كتبه في الثلاثينات من القرن الماضي عباس محمود وسبقه اهتمام آخر مبكر، ربما يمتد إلى القرن الثالث الهجري، كما يقرر أمين الخولي في كتابه عن «التجديد في الإسلام». إذاً، التجديد في الإسلام لازم لزوم الحياة نفسها، مواكب لظهور الإسلام على مسرحها. وتلفت الموسوعة إلى أن التجديد واجه كحركة فكرية ديناميكية بعض التحديات، منها: تمسك حكام المسلمين بالحكم الاستبدادي الذي لا يمكن أن ينجح أي إصلاح في ظله وفي وجوده، جمود الغالبية من علماء الدين ووقوفهم «محلك سر»، تقسيم الأمة الإسلامية إلى شيع وأحزاب، معاداة أوروبا عموماً، وأميركا بخاصة للتجديد الذي يتم على أيدي المسلمين، ظهور طائفة من مدعي العلم والفتوى في وسائل الاتصال بالجماهير. وعلى رغم هذه التحديات، إلا أن حركة التجديد في الإسلام كانت تمثل سمة بارزة تميز بها هذا الدين دون غيره من الديانات السماوية الأخرى، حيث أوجدت حركة فكرية مستمرة للتشديد على أن الإسلام يواكب حركة الحياة الدائمة التغير في كل زمان ومكان، ويعمل دائماً على وضع الحلول المناسبة لكل ما يواجه المسلمين من تحديات ومشكلات، وهو ما تهتم بإبرازه فصول الموسوعة، حين تكشف عن جوانب التجديد من خلال رجاله على مدى خمسة عشر قرناً من الزمان في الأمم والشعوب التي تعيش تحت لواء الإسلام، في جوانب الحياة كافة: دينية كانت أو علمية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية أو ثقافية، أو غيرها من جوانب نشط فيها وتعامل معها المسلم في مجتمعه الإسلامي، يتقدمهم الخلفاء الراشدون الأربعة رضوان الله عليهم، حين واجهوا مشكلات جديدة، نتيجة اتساع الدولة الإسلامية وتوقف الوحي بعد وفاة النبي (صلّى الله عليه وسلّم)، يضاف إليهم عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه الذي يعتبر خامس الخلفاء؛ لعدله وزهده ورخاء عصره، وكذلك الخليفة المأمون الذي ازدهرت في عهده العلوم والفنون والثقافات، وبدأ عصر الترجمة لأمهات الكتب الأجنبية إلى العربية، بخاصة اليونانية، حتى قيل إن العرب المسلمين حافظوا على التراث اليوناني والروماني. وتفسير ذلك: أن العرب حين ترجموا الآثار اليونانية، فقد حفظوها من الضياع ليأتي بعد ذلك الأوروبيون، ويترجموها عن العربية إلى لغاتهم بفضل العرب. ويحظى الجزء الأول من الموسوعة بحشد من الأئمة الكبار يتقدمهم الإمام مالك والإمام أبو حنيفة والإمام الشافعي والإمام أحمد بن حنبل وهم أئمة المذاهب الأربعة، ومعهم الإمام الليث بن سعد، وإمام أهل الشام الأوزاعي وأئمة ثلاثة لهم في تاريخنا وعقيدتنا الإسلامية وجود وبروز، وهم: الإمام البخاري، والإمام مسلم، والإمام الطبري وغيرهم. كما يحظى هذا الجزء من موسوعة أعلام المجددين في الإسلام بوجود أكبر عدد من فلاسفة الإسلام ومفكريه، ممن تجاوز أثرهم العالم العربي والعالم الإسلامي إلى غيره من الأقطار الأجنبية، ويتقدمهم الكندي، والمعلم الثاني الفارابي بعد المعلم الأول أرسطو وإبن سينا، وحجة الإسلام أبو حامد الغزالي وابن حزم، وعددٌ آخر من العلماء الذين تأثرت بعلمهم أوروبا، الخوارزمي والرازي، والبيروني، أيضاً هناك مبدعون مبرزون في الأدب واللغة يتقدمهم عبدالرحمن بن هرمز، وما له من أثر في قواعد اللغة العربية، وأبو العلاء المعري. أيضاً تسجل صفحات الموسوعة إنجازات عدد من نساء آل البيت رضوان الله عليهن ممن كُنَّ على قدم المساواة في تجديد الفكر الإسلامي، وهن: سيدة الرأي والشورى رئيسة الديوان زينب بنت الإمام علي رضي الله عنهما، والمرجع في رواية الحديث النبوي وتصحيحه فاطمة النبوية بنت الإمام الحسين، وصاحبة أول ندوة فكرية في الإسلام السيدة سكينة بنت الإمام الحسين، ونفيسة العلم والمعرفة نفيسة بنت الإمام حسن الأنور. وتطالعنا تيارات إسلامية، كان لها كبير الأثر في الفكر الإسلامي منها الأشعرية نسبة إلى أبي الحسن الأشعري، والماتريدية نسبة إلى إمامهم الماتريدي، وإخوان الصفا والماوردي وما لهذين التيارين الأخيرين من مريدين وأتباع، انتشروا في طول العالم الإسلامي وعرضه. وتطرح الموسوعة السؤال الآتي: ماذا استفاد الإسلام من التجديد الذي قام به هؤلاء؟ أو بمعنى آخر: ماذا تستفيد الحياة المعاصرة مما قدمه مجددو القرون الخمسة عشر الهجرية للإسلام ولأبنائه؟ توقف أمام هذا السؤال عدد من المفكرين والمؤرخين منهم أمين الخولي في ما كتب عن التجديد ورجاله في القرون الأربعة الهجرية الأولى، فقال: «أشير إلى ما تفيد الجوانب المختلفة من حياة اليوم، بهذه القدوات الكريمة». وهكذا رأى الخولي أن ما يفيد الحياة المعاصرة في جوانب منها: الجوانب الدينية، والأخرى الخلقية، والثالثة العلمية، والرابعة هي التي تنفع الحياة العملية الاجتماعية، ففي الجوانب الدينية: قدَّم المجددون ظاهرة التسامح الديني الرحب الأفق، المسالم المتواد البار الذي يمثله هؤلاء المجددون، وعلى وجه خاص ما قدمه المجدد أبو الحسن الأشعري حين شهد على نفسه في مواجهة غيره، أو تسامح الخليفة عمر بن عبدالعزيز حين كان يناقش معارضيه ومخالفيه، على رغْم خروجهم على الدولة. هذا التسامح من هؤلاء المجددين بجوّه الرحب، وقلبه السليم خير ما تستفيد منه الحياة المعاصرة من عمل يقرّب بين المسلمين على اختلاف فئاتهم وفرقهم، وذلك تمكيناً لهم في مواجهة ما حولهم من تحديات ومع التسامح، قدَّم المجددون للحياة الدينية حرية الاعتقاد، وحق الفهم الصحيح للدين، وهو ما صنعه المجدد عمر بن عبدالعزيز حين اعترف وأقر لمخالفيه السياسيين الخارجين على أسرته ودولتهم بحرية العقيدة، ويضمن ذلك لهم، بل ويدعوهم لمناقشته في جو من التسامح. كذلك مما قدمه المجددون للحياة الدينية من فهم الدين على حقيقته التي هي إصلاح الحياة ودفع لها في طريق الخير. ذلك الفهم الحيوي الذي يدفع عن الدين شر الادعاءات والافتراءات والأباطيل الناتجة من الذين لم يحسنوا فهم الإسلام، فمالوا به وجنحوا إلى ما هو بعيد من روحه العملية والحيوية الحقيقية. ويلفت كُريم في الجزء الثاني من الموسوعة إلى قلة المجددين في بعض القرون بخاصة كل من القرون: العاشر، والحادي عشر، والثاني عشر، ومبعث ذلك من وجهة نظره يرجع إلى تدهور الأحوال في العالم العربي الإسلامي في بعض القرون، وما يتبعه من تدهور في التفكير، لكن على رغم ذلك، فقد ظهر في هذه الفترة - الممتدة من القرن السادس الهجري إلى الثاني عشر الهجري - عدد من فلاسفة الإسلام المبرزين يتقدمهم ابن سينا والغزالي وإبن خلدون وإبن عربي، وغيرهم، كما يظهر أيضاً عدد من المؤرخين الثقات من أمثال: ابن أبي أصيبعة والذهبي والسيوطي والمقريزي، وغيرهم. بينما جاء مضمون الجزء الثالث من الموسوعة، والذي يشتمل على ثلاثة قرون هجرية هي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، مُبرهناً على أن هناك هجمة كانت على الإسلام من أعداء الإسلام، سواء المستعمرين أو المبشرين أو المستشرقين، أو حتى السياسيين وفي مقدمهم الرئيس الأميركي السابق بوش بدليل زيادة عدد المجددين، بخاصة في القرن الرابع عشر الهجري لمواجهة هذه الهجمة المستمرة حتى شوال 1429 هجرية / تشرين الأول (أكتوبر) 2008 ميلادية. وفي المقابل، نجد هذا الدين قادراً على مواجهة كل التحديات، وذلك بتفكير أبنائه من المجددين منذ ظهر هذا الدين إلى اليوم. ويستوقفنا في هذا الجزء من الموسوعة ظهور عدد من المصلحين، يتقدمهم جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده وعبدالرحمن الكواكبي، وسبق هؤلاء المصلحين رجال فكروا في بعث اليقظة في الأقطار الإسلامية والعربية يتقدمهم الشوكاني والزبيدي، وبعد ذلك رائد النهضة الثقافية الطهطاوي، كذلك يستوقفنا حكام أحدثوا نهضة في بلدانهم، يتقدمهم رائد النهضة الحديثة في مصر محمد علي، والملك عبدالعزيز آل سعود صاحب النهضة الحديثة في شبه الجزيرة العربية، كذلك يستوقفنا ظهور عدد من المجددين في شبه الجزيرة الهندية، ممن حافظوا بجهودهم على ثوابت الإسلام واستمراريتها، ويتقدمهم مولانا أبو الكلام آزاد والشاعر محمد إقبال وأبو الأعلى المودودي وأبو الحسن الندوي ووحيد الدين خان، وظهور طائفة من المجددين غير الأزهريين في مصر والبلاد العربية ممن أخذوا على عاتقهم مهمة إعادة كتابة التاريخ الإسلامي بصورة يفهمها أبناء الإسلام، وفي الوقت نفسه تدافع عن الإسلام مما أحدثته كتابات غير المسلمين من افتراءات وأباطيل، ويتقدمهم طه حسين وأحمد أمين وعبدالحميد العبادي، وواكبهم في ذلك العقاد والدكتور هيكل وأمين الخولي وكرد علي، تبعتهم في ذلك أجيال يمثلها مالك بن نبي والشرقاوي وخالد محمد خالد والسحار وغيرهم ممن قدموا صورة حقيقية للإسلام. كذلك ظهرت طائفة من علماء الأزهر المستنيرين من تلاميذ الإمام محمد عبده، ويتقدمهم الأئمة الثلاثة مصطفى المراغي ومصطفى عبد الرازق ومحمود شلتوت. كذلك ظهرت طائفة من الدعاة الذين قربوا الإسلام بتعاليمه إلى الناس، ويتقدمهم الباقوري والغزالي والشعراوي والقرضاوي.