أكتب ظهر الأربعاء ولن تُقرأ هذه السطور حتى تكون المفاوضات بين الفلسطينيين وإسرائيل برعاية الولاياتالمتحدة (الرباعية مجرد اسم) قد انتهت قبل أن تبدأ، فهي مفاوضات من أجل المفاوضات لا من أجل الوصول الى نتائج. المفاوضات مسرح عبث سياسي. حفلة عشاء في البيت الأبيض، والطعام الذي وعد به الضيوف لا يستحق أن يتكبد الرئيس حسني مبارك والملك عبدالله الثاني عناء السفر عشرة آلاف كيلومتر لتناوله. أقرأ أن المفاوضات المقبلة هي الأولى بين الطرفين منذ 20 شهراً، غير أنني أعتبرها الأولى منذ عشر سنوات، فقد انتهت المفاوضات عند حد اتفاق الأطر الذي عرضه الرئيس بيل كلينتون على ياسر عرفات بين نهاية السنة ألفين ومطلع 2001. المفاوضات كلها عمرها 17 سنة، ويستحيل أن تكون هناك نقطة خلاف بين الطرفين لم تطرح مرة بعد مرة ولم تقتل بحثاً. المانشيت هو أن الفلسطينيين قبلوا دولة في حدود الأراضي التي احتلت سنة 1967، أي 22 في المئة من بلادهم، وأن إسرائيل ترفض ذلك. في التفاصيل، وهي لم تتغير منذ 1993 أن الفلسطينيين لن يتنازلوا عن الأراضي المحتلة، ويريدون دولة متواصلة الأطراف قابلة للحياة، وأن إسرائيل تريد الاحتفاظ بالمستوطنات التي تقطع أوصال الضفة الغربية بالطول والعرض، ودولة فلسطينية مجردة من السلاح، ووجود عسكري إسرائيلي في الأغوار، واعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية مع تنازلهم عن حق العودة. أقول «في المشمش». هذا لن يحدث. أبو مازن لن يتنازل عن شيء، وأرجو أن أحاسب على هذا الكلام فأنا أعرفه كما لا يعرفه أنصار حماس، وهذه بدورها لن تتنازل عن شيء فالأمر بالنسبة اليها محسوم حتى أنه خارج النقاش الدائر. لماذا يجتمعون؟ أبو مازن ضعيف بالانقسام الفلسطيني والهروب العربي. قالوا له في القاهرة إنهم يتركون له حرية القرار، أي «دبّر حالك» بالعامية. غير أنني لا أعترض على ذهابه الى واشنطن فهو إذا لم يفعل لاتهم فوراً بأنه منع قيام دولة فلسطينية. مرة أخرى أقول: إلحق الكدّاب لحد الباب. الرئيس أوباما لا يكذب، فهو يريد حلاً، وهو يحتاج الى المفاوضات، غير أن الكذاب الإسرائيلي يقف على الباب الأميركي، وهو يريد المفاوضات لأسبابه، فإسرائيل تتعرض لحملة عالمية، العرب والمسلمون لا يشاركون فيها وربما لا يعرفون بأمرها، لنزع الشرعية عنها، والمقاطعة لا تلف العالم فقط، بل لها أنصار داخل اسرائيل نفسها. باختصار، إسرائيل في «بيت الكلب» ولن تخرج منه إلا بمفاوضات مع الفلسطينيين، فحكومتها وهي تفاوض تستطيع أن تقول للمقاطعين أن موقفهم تطرف غير مسؤول طالما أن الفلسطينيين أصحاب القضية لا يقاطعونها. كيف يمكن لحكومة فاشستية متطرفة أن تتخلى عن الضفة، وهي لا تتخلى عن المستوطنات، وإنما تريد أن تفاوض وأن تنسف المفاوضات بمواصلة بناء المستوطنات. قرار حكومة نتانياهو تجميد الاستيطان 10 شهور ينتهي في 26 من هذا الشهر، أو هذا على الأقل ما نقرأ عن الموضوع، وهو دجل كامل. الاستيطان لم يتوقف يوماً رغم القرار، بل زيد عليه هدم بيوت الفلسطينيين في القدس، وسرقة ما لا يهدم منها. وتتحدث حكومة نتانياهو عن إخلاء مستوطنات غير شرعية، أو هدم ما بني منها، ويكرر بعضنا ما يسمع من دون تفكير (هل كنا وصلنا الى هذه الحال لو كنا نفكر؟). الصحيح هو أن المستوطنات جميعاً غير شرعية، وأن اسرائيل نفسها بؤرة استيطان غير شرعية حتى يعطيها الفلسطينيون، أصحاب الأرض والحق، صك الشرعية. أنا من جيل أذكر معه أننا كنا نقول مستعمرة ومستعمرات، ولا أعرف متى تحول الأمر الى مستوطنة ومستوطنات، إلا أنني أرجح أن ثمة جيلاً عربياً جديداً لا يفهم ما أقصد لو عدت لأتحدث عن المستعمرات الإسرائيلية. مع ذلك يظل الفلسطينيون يملكون أن يقولوا لا قبل عشاء البيت الأبيض وبعده، وطالما أنهم يقولون لا فلا حل يمكن أن يُفرض عليهم. والعشاء في البيت الأبيض شهي قطعاً ومن إعداد «شيف» مشهور، غير أن الفلسطينيين أمام «طبخة بحص» لذلك نسمع جعجعة ولا نرى طحناً. وأكتب من دون أن أمارس الصحافة، وإنما القهر، فمتابعة «القضية» ولا حل ممكناً تعني الألم والحزن وغياب الأمل. [email protected]