أكّد العلم في اليابان تألّقه مجدداً، بفوز البروفسور يوشينوري أوهسومي (مولود في 1945، في فوكوكا»، ويعمل في «معهد طوكيو للتقنية») بجائزة نوبل للطب 2016. وبات أوهسومي العالِم ال 39 الذي يحرز الجائزة منفرداً، ما يشير إلى الوزن الراجح لبحوثه عن آلية الالتهام الذاتي «أوتوفاجي» Autophagy. وفي تلك الآلية، تتجدّد الخليّة عبر التخلّص من محتوياتها القديمة كي يحلّ الجديد بديلاً منها. وحتى في الخليّة، لا يحدث التجدّد من دون التخلّص من القديم، مع الاحتفاظ بترسيماته الأساسيّة، وإرساء جديد سرعان ما يصير قديماً بعد زمن لا يطول. وربما ذكّر ذلك البعض بكتاب أدونيس «الثابت والمتحوّل» عند العرب الذي نعى على ثقافة العرب جمودها الصلد حيال التجدُّد. وبالعودة إلى جائزة «كلية كارولينسكا» السويديّة، يلاحظ أنها كافأت ما سجّله تاريخ الطب للياباني أوهسومي بأنّه اكتشف الآليات التي تسير فيها ظاهرة «الالتهام الذاتي» في الخليّة. ومنذ ستينات القرن العشرين، لاحظ العلماء أن الخلية تعمد إلى التخلّص من محتوياتها كل فترة، بأن تحيطها بغلاف سميك، كما يفعل البشر في البضائع، ثم ترسلها إلى وِحدَة فيها مختصة تحدث فيها عمليات التحلل والتفكك لتلك المحتويات. ومع وجود قرابة 10 تريليونات خلية في الجسم البشري، وسرعة التجدد فيه (ربما مات خمسون ألف خلية في جسمك منذ بدء قراءتك هذا المقال)، يكون من الصعب إنجاز دراسة عملية «الالتهام الذاتي». في تسعينات القرن العشرين، عمد أوهسومي إلى استخدام خميرة الخبز في دراسة تلك الظاهرة. وانخرط في سلسلة من الدراسات طاولت التعرّف على الجينات المسؤولة عن الالتهام الذاتي للخلية. وكذلك درس الميكانيزمات التي يتحقّق فيها ذلك الالتهام. وفي خطوة تالية، استطاع أوهسومي أن يبرهن على أن تلك الآليات ذاتها تحدث في الخلية البشريّة. وعلى رغم طليعيّة عمل أوهسومي، إلا أنّه بنى على ما حقّقه علماء سبقوه، وهو مسار راسخ في تقدّم العلوم عموماً. ففي العام 1974، أعطيت جائزة «نوبل» إلى الباحث الدنماركي كريستيان دو دوف لاكتشافه وحدة في الخليّة («لايسوزوم» Lysosome) تحتوي إنزيمات تمكّنها من التهام البروتينات والنشويات والدهون، وهي المكوّنات الأساسيّة للجسم. واستطاع دو دوف وآخرون أن يكتشفوا «المغلّفات» التي تنقل محتويات الخليّة إلى «لايسوزوم» كي تتولّى تفكيكها والتخلص منها. وبذا، صار واضحاً للعلماء أن عملية التفكيك والتخلّص من المحتوى القديم، هي آلية أساسيّة في عمل الخلايا الطبيعية. وجاءت بحوث أوهسومي لتؤكّد أيضاً أنّ حدوث خلل في الجينات المسؤولة عن الالتهام الذاتي يؤدي إلى اضطراب الخلية، وفقدانها القدرة على التأقلم مع متغيّرات البيئة كالجوع وحدوث الالتهابات، وظهور أمراض عصبيّة ك «باركنسون» و «ألزهايمر»، إضافة إلى الإصابة بأورام خبيثة. هل يخلو من الدلالة القول إن توقف الالتهام الذاتي للقديم، واضطراب عملية التجدّد، يؤدّيان إلى ضعف حيال الخارج، وعدم قدرة على مواجهة تحدّياته (كالبكتيريا والفيروسات والطفيليات)، إضافة إلى اضطراب الأعصاب واختلال الذاكرة التاريخيّة؟ أليس دالاً أن يكون انعدام التجدّد متّصلاً أيضاً بالسرطان، وهو تعريفاً تكاثر الواحد ونمطه المتكرر، على حساب التنوّع؟