في مقال سابق تحدثت عن استقبال الناس لشهر رمضان بألوانٍ من المطعوم والمشروب، وأن هذا الاستقبال الحافل يلقي بظلاله الإيجابية في الجملة على عاداتٍ متجذرةٍ في قلوب الناس وعقولهم، بأن هذا الشهر المبارك، مناسبة خاصة تختلف عن غيرها من المناسبات الأخرى . ولم تكتفِ شرائح الناس في الاستعداد للقيا هذا الشهر الذي انتصف حضوره بما ذكرت، بل شذّت طوائف منها في التعاطي مع قدسيته وروحانيته، فطالبت بحق الإفطار العلني في نهار رمضان ! وشكلت نواة تجمع إليكتروني على موقع التعارف الاجتماعي الشهير فيس بوك ! وانضوى تحت لواء هذه الدعوة 1200 جائع مستهترٍ تقريباً . ولو قدّر لأشعب الطماع أن يعيش في هذا العصر، لتبرأ من هذه الدعوة وانشغل بهجاء تلك الجماعة - عن نداءات بطنه - التي لا تقدّر عواقب أفعالها في نقض ركنٍ أصيل من أركان الإسلام . وما بين الدعوة للإفطار في نهار رمضان، والجوع الشديد، يحضرني موقف لزميلٍ حلّ عليه الشهر في بلدٍ إسلامي - يغلب عليه العجمة والجهل الشديد - وقد أنهكه الجوع والعطش بفعل مسافةٍ طويلةٍ قطعها على قدميه، وفي الشريعة فسحة من إباحة فطرٍ للمسافر والمريض، فلم يجد بداً من دخول مطعمٍ من المطاعم التي تفتح أبوابها للسياح من غير المسلمين في نهار رمضان . ولما كانت سحنته تظهر إسلامه، سأله العامل – مستغرباً - عن سبب إفطاره، فحاول عبثاً إفهامه أنه مسافر، وأن الإسلام أباح له الفطر، وأنه ليس من البر الصيام في السفر كما قال عليه الصلاة والسلام . «حوقل» العامل و «بسمل» ثم قدّم له ما أراد من طعامٍ وشرابٍ وقد امتقع لونه وتغير شكله ونفرت نفسه، أكل صاحبنا ما شاء الله له أن يأكل ثم قام منصرفاً، ولما وصل عند الصندوق أخرج من جيبه قيمة الطعام وسلمها للمحاسب الذي أشار إلى صورةٍ معلقةٍ فوق رأسه ترمز إلى مسجد الصخرة في فلسطين قائلاً له بلغة إنكليزية ركيكة : سنصلي هناك رغماً عنك! قال له زميلي بعفوية : إن شاء الله! فرد عليه المحاسب : هذا مما لا شك فيه أيها اليهودي! يقول صاحبنا : انتقلت من محاولة الشرح الضائع للوقت بأن الإسلام أباح الفطر في رمضان للمسافر، إلى محاولة إقناع صاحب المطعم والعامل بأنني مسلم من نسل مسلمين، وأن الجوع وحده حوّلني إلى يهودي في نظرهم!