ما الذي لم تفعله حرائق الغابات في روسيا؟ لقد ورثت هذه الدولة مؤسسات دولة كبرى وقواها، ومع ذلك بدت فاقدة الحيلة تجاه حرائق الغابات التي اجتاحتها ووصفت بأنها الأسوأ منذ ألف عام. هزت نيران الغابات السلطة السياسية، فتراجعت شعبية الحكومة ورئيس البلاد، وحاول رئيس الوزراء فلاديمير بوتين إنقاذ سمعته بالظهور على الشاشات كمساعد طيار في طائرة إطفاء، بعد أن ظهر تكراراً عاملاً مع قوى مكافحة تلك الحرائق. وهددت نيران الغابات قوة روسيا النووية، بتهديدها مركز «ساروف» النووي شرقي موسكو، الذي اشتهر منذ العهد السوفياتي بأنه يأوي قسماً من الترسانة النووية، وكذلك الحال بالنسبة لمركز «سينيجنسك» في جبال الأورال. وهدّدت النيران ايضاً الرياضة، مُجبِرة فريق «سبارتاك موسكو» على نقل تدريباته خارج موسكو. وهزّت حرائق الغابات الحال الصحية لسكان العاصمة الروسية، وضاعفت نِسب الوفيات بين سكان إحدى أكثر المدن تقدّماً. ليست الغابات ببعيدة، بل إن روسيا أعطت نموذجاً عن الكوارث المتصلة بحرائقها في المجتمعات المعاصرة. وتعتبر الغابات جزءاً من الطبيعة، فتساهم في استقرارها واستمرارها. كما تشكل موئلاً للحيوانات على اختلاف أنواعها كالثديات، الزواحف، الطيور والحشرات، ما يعطيها دوراً مهماً في صون التنوّع البيولوجي. وتحتوي قرابة 66 في المئة من كائنات الكرة الأرضية. كما تعتبر مصدراً للأوكسجين، ومصباً لامتصاص ثاني أوكسيد الكربون، ما يساعد في التقليل من حدّة التغيّر المناخي. وتساعد أيضاً في ضبط النظام المائي، إذ تملأ جوف الأرض وخزّاناته بالماء، إضافة الى قدرتها على حماية التربة من الانجراف والانهيارات. وتعتبر الغابات مصدر رزق للإنسان، كما أنها مصدر مهم للطاقة والمواد الخام. وبالنتيجة، يؤدي تقلص مساحة الغابات إلى تدهور التربة، التصحّر، اختلال النظم البيئية، تقلّص التنوّع بيولوجياً وزيادة في حدّة التغير المناخي. ليس من الضروري أن تضمحل غابة كي تنهض حضارة، بحسب القول الياباني، فالحرائق التي تلتهم سنوياً مئات الهكتارات من الغابات والأراضي الزراعية والمراعي، تؤدي إلى تقلص الرقعة الخضراء تدريجاً في لبنان. في ستينات القرن الماضي، شكّلت الغابات قرابة 35 في المئة من مساحة لبنان، وبفعل حرائق غاباته، اضمحلّت الرقعة الخضراء لبنانياً، حتى وصلت إلى 13,3 في المئة من مساحته عام 2005. وبين عامي 2004 و2009، التهمت حرائق الغابات ما يزيد على 101 كليومتر مربع، كما يعتبر عام 2007 قاسياً، بالنسبة لمعدّل حرائق الغابات، التي وصلت إلى 4 آلاف هكتار. ووصل الرقم عينه إلى 1750 هكتاراً في 2008، وارتفع الى ألفي هكتار في 2009. وبفضل دراسات مديدة، توصلت وزارة البيئة إلى صوغ تصوّر يعتمد على فصل نمط توسّع الحريق إلى مرحلتين. تمتد المرحلة الأولى لمدة 54 دقيقة من بداية الحريق. وبعدها، لا يعود أمام فرق المنقذين سوى ثوانٍ قليلة كي تحاصر الحريق، وإلا فإنه يضاعف حجمه في سرعة مخيفة. بعد حرائق ال 2007 زوّدت قوى الأمن الداخلي وزارة البيئة ب «بطاقة التعريف الموحّدة للأراضي المحروقة»، التي تحتوي على معلومات مفيدة ومفصلة عن الحريق، مثل مساحته ومدة اندلاعه. ولأن الحريق يمتد في المكان، توجّب أن يكون الشركاء في إطفائه على دراية بالمنطقة التي يصيبها. كلّما ازدادت المدّة الزمنيّة لاندلاع الحريق، ازدادت مساحة المنطقة المحترقة، وكلما تقلّصت المدّة الزمنيّة لاندلاع الحريق، تقلّصت معها مساحة المنطقة المحترقة.