كنيته أبو نصر. ولقبه «الفارابي»، نسبة إلى مولده قرب مدينة فاراب، في كازاخستان اليوم. هاجر منذ صغره إلى بغداد، ثم حلب، حيث لزم بلاط سيف الدولة الحمداني. تضلّع في المنطق والفلسفة والطب، وإن كان لم يشتغل بالسياسة منصرفاً إلى القراءة والتأليف. كما تفوق في الموسيقى، تأليفاً وعزفاً، فعرف عنه اختراع آلة القانون. تميّز بالإعراض عن المناصب الرفيعة (بخلاف شاعرنا المتنبي الذي عاصره)، حتى إنه عمل حارساً في بستان، وبالرغم من أنه عاش في ظل الخلافة العباسية الثانية، حيث الفتن والاضطراب السياسي، إلا أنه لم يهاجم الأوضاع السائدة بقدر ما حاول تقديم وصفة علاجية، برؤيا بين الفكر والممارسة، فكانت السعادة من أهم المواضيع التي شغلته حتى لقب بفيلسوفها ومن أهم مؤلفاته: «آراء أهل المدينة الفاضلة»، «تحصيل السعادة»، «السياسة المدنية» وغيرها. ومن الملاحظ أنه لم يفصل بين الأخلاق والسياسة، فالعلم المدني عنده مزيج من السياسة والاجتماع والأخلاق، ورئيس المدينة الفاضلة - الذي هو مصدر الحركة بالنسبة إليها - عليه مهمة نشر الفضيلة الجزئية بين الأفراد بطريقتين: الأولى وتعنى بالتعليم ببث الفضائل النظرية، والثانية وتعنى بالتأديب بإيجاد الفضائل الخُلُقية والعملية، مشبهاً دور الحاكم برب المنزل والقيّم على أهله، ففي رأي الفارابي «الملك هو مؤدب الأمم ومعلّمها»، مؤكداً عدم الاكتفاء بكمال الحاكم وفضيلته في ذاتها، بل قدرته في خلق هذه الفضائل في الأمم والمدن، مستعيناً بالبراهين اليقينية والوسائل الإقناعية. وإن لم يكن الفارابي مثالياً تماماً في تصور تساوي قدرات الأفراد على استيعاب الأفكار والفضائل، فهو كان حريصاً على ضرورة دراسة الحاكم للأفراد والأمم ومن ثم اختياره الأدوات المناسبة. حصر الفارابي الصفات التي ينبغي أن تتوافر في رئيس المدينة الفاضلة، وتتمثل في أن يكون: تام الأعضاء، جيد الفهم والتصور والحفظ، فطناً ذكياً، حسن العبارة، محباً للتعليم، غير شره في المأكل والمشرب، محباً للصدق، كبير النفس والكرامة، مستهيناً بمتع الدنيا، محباً للعدل وأهله، قوي العزيمة مقداماً. أما صفة الحكمة فقد ذكر الفارابي أن افتقار الحاكم إلى هذا الشرط بالذات إنما يفقده صفة الرئاسة، ومع ذلك تجده على وعي تام بصعوبة توافر جميع الصفات إلا في القليل النادر، ولكننا نرى بالتحليل النفسي والسياسي أنها اجتمعت في حاكم معاصر هو عبدالله بن عبدالعزيز، الأمر الذي نفهم معه تبني مبدأ «الوسطية» الذي نادى به المليك، فمثل هذا الحاكم - كما يراه الفارابي - قادر على اتباع الاعتدال والوسطية (عملياً) في تحليله وتطبيقه للفضائل، مؤكداً الوسط النسبي، وليس الوسط الحسابي الذي لا يتغير، فالوسط النسبي يختلف باختلاف الظروف والأوقات والأفراد. أكد الفارابي أن الدولة الفاضلة لا يمكن أن تتحقق إلا في ظل حاكم فاضل (رأي أفلاطون قبله)، ولكن الحاكم الفاضل يمكن أن يعيش في مجتمع غير فاضل، فالملك فاضل لديه قوة فكرية وأخلاقية وسمو نفس، بصرف النظر عمّا إذا استطاع المجتمع الاستفادة من مميزاته أم لم يستطع، إذ إن الخطأ هنا يكمن في تقصير المجتمع. يقول الفارابي: «فإذا لم يُنتفع به، فليس عدم النفع به من قبل ذاته (يقصد الحاكم)، ولكن من جهة من لا يُصغي، أو من لا يرى أن يُصغي». أما «النوابت» (كالشوك والحشائش النابتة بين الزرع الضارة به) كما عبر عنهم الفارابي في «السياسة المدنية»، وحيث وصفهم في مؤلفه «آراء أهل المدينة الفاضلة» ب «نوائب المدن»، فقد أكد أهمية تخلص الحاكم منهم، إما بإصلاحهم واستيعابهم، أو بعقاب من لا يجدي فيهم بالحبس والنفي، مع تقوية الفضيلة في نفوس باقي أفراد المدينة.