تعتبر شعيرة الحج أكبر تجمع وتدفق لحشود مؤمنة على الكرة الأرضيّة. وأثناء الحج، يتدفق ملايين الحجيج إلى موانئ ومطارات المملكة العربيّة السعوديّة، وأماكن الإحرام والمسجد الحرام وعرفة والمزدلفة ومنى والمسجد النبوي وغيرها من الأماكن الإسلاميّة والتاريخيّة. ويرافق الحجيج عشرات الآلاف من رجال الأمن والمرور والأطباء والممرضين والمشرفين ورجال الخدمة المدنيّة، ورجال الدعوة والإرشاد وغيرهم. يضاف إلى ذلك، تدفق أمتعة الحجيج ومؤنات تمثّل ما يحتاجونه من مياه وأغذية وأدوية ومساكن واتصالات ووسائل للنقل، وأدوات للمعلوماتيّة، مع دعم لوجيستي وعلوم شرعيّة، وتوعية صحيّة وغيرها. لذا، تحتاج إدارة الحج إلى قدرات تنظيمية جبارة، وشراكات استراتيجيّة، ووسائل حديثة لنشر المعلومات، وشبكات اتصالات متقدّمة، وأنظمة للخدمات المتنوّعة، ووسائل تقليدية في الإمداد والتموين وغيرها. أقراص إلكترونيّة وشاشات عملاقة استجابة لتوجيهات خادم الحرمين الشريفين، وضعت الوزارات والهيئات في المملكة العربيّة السعوديّة، ما تملكه من موارد بشريّة وماديّة وإلكترونيّة في خدمة ضيوف الرحمن، إذ افتُتِح مشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعة المسجد الحرام في رمضان الماضي، وشمل 5 مستويات للطواف و4 أدوار بمساحة تقدر بقرابة 12350 متراً مربعاً. كما توسّع صحن الطواف بما يجعله قادراً على استيعاب 107 آلاف حاج في الساعة. وخصّصت «وزارة الشؤون البلدية والقرويّة» قرابة 13 ألف شخص للعمل مشرفين وسائقين وعمال نظافة. وعلى الشاكلة ذاتها، جنّدت «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» 884 من حملة الشهادات العليا وأصحاب الخبرة والمؤهلين للعمل في الإرشاد والتوجيه والترجمة. كما جهزت الهيئة قرابة ستة ملايين مادة للتوعية، تشمل مليون قرص مدمج/ ومليوناً ونصف مليون كتاب للتوعية، وثلاثة ملايين و220 ألف نشرة توجيهيّة، و88 شاشة عرض تلفزيونيّة عملاقة، و138 لوحة إرشاديّة. كذلك جهّزت وزارة الزراعة محطات التحلية لتلبية الزيادة الكبيرة في الطلب على مياه الشرب. وتشرف «إدارة سقيا زمزم» على قرابة 300 مشرب، تحتوي 1900 صنبور وقرابة 300 خزان، و18 ألف حاوية للمياه. وعلى المنوال نفسه، فتحت المديرية العامة للدفاع المدني باب التطوّع لمن يرغب فى نيل شرف خدمة زوار البيت الحرام. ورفعت السعوديّة جاهزيتها الإلكترونيّة لتقديم الدعم اللوجستي للحجاج، وإدارة أفواج الحجيج، ومراقبة حركة الحافلات وإمدادها بالمعلومات. وتنسجم تلك الإجراءات مع «رؤية المملكة العربية السعوديّة 2030». وتعاونت وزارة الحج مع شركة «وادي مكة للتقنية» التابعة ل «جامعة أم القرى» في إنشاء نظام إلكتروني مرتبط بمنصة موحدة. ويحقّق ذلك الأمر هدف متابعة الحافلات التي تخدم الحجاج، مع توقّع أن يصل عددها إلى قرابة 16200 حافلة من الأحجام المختلفة. ويستخدم ذلك النظام الإلكتروني في تتبّع الحافلات في مكة والمدينة المنورة وجدّة. ودشنت الوزارة نظام الحواجز الإلكترونيّة لتنظيم حركة الحشود في الحرم لمنع التدافع. دور المحاكاة الافتراضيّة في سياق متّصل، شكّلت وزارة الحج لجنة موحدة تضمّ عدداً من الوزارات والهيئات المختلفة، بهدف توعية الحجيج وإمدادهم بالعلوم الشرعية وفتاوى وآداب وأخلاقيات الحج وغيرها. ومن المتوقّع أن تسخّر اللجنة وسائل التواصل التقليديّة كالمحاضرات المباشرة، والنشرات الورقيّة، ولجان التوعية المتنقلة، إضافة إلى وسائل الاتصال الحديثة كالشاشات الإلكترونيّة، ونظم المحاكاة الافتراضيّة، ورسائل الخليوي النصيّة، والشبكات الرقميّة للتواصل الاجتماعي. كما تستخدم نظم المحاكاة بالكومبيوتر في تنظيم دورات تدريبية للمشرفين والمراقبين وشركات الحج، وأفراد الخدمة المدنية. وشملت تلك النظم عرض محاكاة افتراضيّة لمراحل التفويج فى جسر الجمرات والحرم المكّي الشريف. كما اعتمدت الوزارة نظام السوار الإلكتروني الذي يرتديه الحاج بسهولة، ويحتوي شريحة رقميّة تختزن معلومات تتضمن اسمه وجنسيته ورقم جوازه ورقم التأشيرة وعنوان السكن وأرقام الاتصال وغيرها. ومن المستطاع قراءة بيانات تلك الشريحة بواسطة أجهزة خاصة، ما يساعد على معرفة هويّات الحجيج وشخصياتهم، ثم تقديم المساعدة المناسبة لهم عند الضرورة. كذلك يسهّل السوار عمل الجهات المنظّمِة للحج، ويختصر الوقت والجهد وزمن إنجاز الإجراءات وغيرها. ويستخدم السوار الإلكتروني أيضاً فى حصر عدد الحجيج، وينقل تلك المعلومات إلى الجهات المنظمة للحج. وإضافة إلى تلك الأمور كلّها، يعتبر ذلك السوار أداة مهمة في مساعدة كبار السن وذوي الحاجات الخاصة والتائهين عن أفواجهم، وغير الناطقين بالعربيّة. وأنشأت الوزارة مركز اتصالات مزود برقم مجاني لتلقي استفسارات الحجاج وشكواهم، وقياس مدى رضاهم عن الخدمات المقدّمة من جانب الأجهزة والقطاعات المختلفة. تحتوي البوابة الإلكترونيّة التفاعليّة عدداً كبيراً من الخدمات الإلكترونيّة، وهي تتعامل مع اللغات العربيّة والإنكليزيّة والفرنسيّة. وتوجد على البوابة أقسام تفاعليّة تعمل على تقديم معلومات عن الوزارة، وخدمات الحج، وخدمات العُمْرة والزيارة، والخدمات الإلكترونيّة، إضافة إلى قسم خُصّص للمركز الإعلامي. وتشمل البوابة التفاعليّة ذاتها، المسار الإلكتروني للحجاج الآتين من داخل السعودية. ويشمل المسار أتمتة مراحل عملية الحجز، بداية من البحث عن معلومات حول شركات الحج، ثم مقارنة برامج الحج ورسومها، وإتمام عملية الحجز ثم تأكيدها ودفع الرسوم إلكترونيّاً من طريق نظام لسداد الرسوم وطباعة التصريح. كما يعطى الحاج خيار إلغاء التصريح واسترداد الرسوم إلكترونيّاً. ومن فوائد ذلك النظام أنه يحقّق مبدأ تكافؤ الفرص لأن الحجز يجري بالأسبقيّة، من دون تدخل شركات الحج. كما أن النظام مرتبط بقواعد بيانات وزارة الداخلية للتأكّد من أحقية الفرد في الحج لأن الشخص مسموح له الحج مرّة كل خمس سنوات. ويضاف إلى ذلك أن النظام يوثّق تفاصيل عملية الحجز، ما يحمي حقوق الحجاج تجاه شركات الحج. ويُلزِم الموقع الشركات بالرسوم التي قرّرتها الوزارة، كما يضمن عدم زيادة عدد الحجيج عن المسموح به. وفي منحىً متّصل، ساهم ذلك النظام المعلوماتي في تحويل شركات الحج (200 شركة) شركات «افتراضيّة»، بمعنى أنّ نظام الحجز الإلكتروني ينهي الإجراءات كافة نيابة عنها. إذ يقتصد في الوقت والأوراق والعمالة والمكان والحواسيب، إضافة إلى تخفيف الجهد اللازم لعمليات الحجز والتفاوض، وشرح برامج الحج المختلفة، وشروط العقد، وشروط إلغاء الحجز وغيرها. كما تضمنت البوابة خدمة «يقين» للتأكّد من بيانات زوار تلك البوابة التفاعليّة، وخدمة الدفع الإلكتروني من طريق نظام سداد، مع إرسال إشعارات فورية لكل حاج من طريق الرسائل الخليويّة، عن العمليات المتعلّقة به كلها. تطبيقات ذكيّة هناك عدد من التطبيقات المجانيّة تساعد الحاج على الحصول على المعلومات التي يحتاج إليها، مع تجنّب الأخطاء، والحركة الزائدة. فقد طوّرت «الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام» تطبيق «أخطاء المناسك» بهدف توعية الحجيج إلى الأخطاء التي تزيد الزحام والحركة الزائدة. وتشمل تلك الأخطاء الإصرار على تقبيل الحجر الأسود في الزحام، والاعتقاد بضرورة الدخول إلى الحرم من باب معين، وصلاة ركعتين بعد السعي بين الصفا والمروة، والاستمرار في السعى على رغم إقامة الصلاة، والوقوف عند الحجر الأسود للإشارة، والبدء بالطواف من الحجر، واستلام الركن اليماني وتقبيله، والإصرار على الصلاة خلف المقام مباشرة، واعتبار شوط السعي الواحد ذهاباً وجيئةً وغيرهما. ومن الأخطاء التي تؤدي إلى الزحام والتكدّس عدم تقيّد الحجيج بتعليمات السلطات السعوديّة المكلّفة شؤون الحج. كما طورت الرئاسة نفسها تطبيق «المطوّف» الذي يشرح أحكام مناسك الحج والعمرة بطريقة مبسّطة ومدعّمة بالخرائط والرسوم التوضيحيّة. وزُوّد التطبيق بعدّاد إلكتروني لحساب أشواط السعي والطواف وإخطار الحاج باكتمال العدد حتى لا يزيد عنه. كما يساعد التطبيق على تقليل الحركة الزائدة، عن طريق خريطة ترشد الحاج إلى أماكن الخدمات والمعالم المختلفة كالأبواب والمصاعد وأماكن الوضوء والسلم الكهربائي والمراكز الصحية والهلال الأحمر وأماكن الأمانات وغيرها. كما يقدّم التطبيق خدمة «أرشدني» لإرشاد من ضلّ عن فندقه أو خيمته. ويعرض تطبيق «بوصلة الحج» معلومات عن القبلة وموقع الجمرات والحدود الشرعية للحرم ومنى وعرفات وغيرها. ويتوافر معظم تلك التطبيقات على متجر «غوغل» و «آب ستور». وهناك نوع آخر من التطبيقات يمد الحاج بما يحتاج إليه من علوم شرعيّة، إذ طوّرت «وزارة الحج والعمرة» تطبيق «خدمات الحج» لإمداد الحاج بما يحتاج إليه من فقه الحج وأركانه وسننه ومواقيته. كما يحتوي التطبيق على دليل الحاج الذي يضمّ أرقام الطوارئ ودليل الفنادق في مكّة. وعلى غرار ذلك، يحتوي تطبيق «فتاوى الحج» قاعدة بيانات بفتاوى الحج والعمرة الصادرة عن دار الإفتاء السعوديّة. ويوفر تطبيق «طقس المناسك» معلومات عن طقس مكّة والمدينة ومنى وعرفة والمزدلفة، ما يساعد الحاج على تجنّب تقلّبات الطقس. *أكاديمي معلوماتية في جامعة الملك فيصل