ربما التمرد، أو المقاومة، أو الهروب حيث الجمال، من عالمٍ تعرضت فيه الذائقة الفنية للتشويه من كم الموسيقى الهابطة، والجمل اللحنية الشاذة، هي ما جمعت فريق موسيقي يتكون من زوجين يعزفان على عود واحد معاً وللمرة الأولى، إذ كوّنا فريقاً موسيقياً متخصصاً بالأداء التقني لآلة العود. قدم المؤلف الموسيقي، وعازف العود السوري غسان اليوسف وزوجته المصرية دينا عبدالحميد، حفلة موسيقية كبيرة في مركز الإسكندرية للإبداع أخيراً، بحضور جمهور مصري وعربي عاشق للموسيقى العربية الأصيلة، وذلك على هامش حفلات مهرجان الموسيقى العربية. يؤكد اليوسف ان مشاركته هذا العام أضافت له الكثير من خلال الالتقاء والتواصل مع كبار الفنانين الذين حملوا لواء الإبداع والأصالة للموسيقى العربية لسنوات عدة. وعن تجربته في العزف مع زوجته، أوضح أن تجربة العزف مع شخص آخر صعبة ومرهقة، تستلزم أن يكون كلا الشخصين على درجة كبيرة من التفاهم، والتكامل فكرياً، وأدائياً، فيقرأ كل منهما أفكار الآخر ويتحولا روحاً واحدة تسكن جسدين. ويقول اليوسف ل «الحياة»: «يصعب على عازف العود، بما له من خصوصية وتفرد، أن يعزف ويتحكم في اللحن، فيما يد أخرى تشاركه العود ذاته وتقدم اللحن ذاته، لكني وصلت الى مرحلة غريبة من التوافق النفسي والحركي والأدائي مع زوجتي دينا، يجعلنا مثل جسد واحد، فأشعر بأن عقلي يوجه يد دينا، ووصلنا إلى درجة أشعر معها بإرهاق يديها على العود». وعن سر انجذابه للعود، يوضح اليوسف أن العود آلة شرقيةأصيلة، وهي أكثر الآلات تعبيراً عن الشرق بسحره وتستحق أن يعود لها رونقها فتكون نجمة الآلات الشرقية. ويحاول الزوجان من خلال حفلاتهما معاً إعادة إحياء التراث في شكل معاصر. «فالفن جزء من حركة التاريخ والفنان العربي لن يصل إلى مكانته إلا بالالتصاق بتراثه والتعمق في جذوره». وينتقد اليوسف ثقافة المطرب السائدة لدى المجتمعات العربية، والتي يُرجع سببها لأن الثقافة العربية تقوم على الكلمة والشعر، ما جعل ثقافة الاستماع لمؤَلف موسيقي تنزوي بعيداً، وهو ما يحاول وقلة آخرين تغييره. تقول عبدالحميد: «هناك توجه فني هذه الأيام لا ينقصه الإصرار، ومحاولات جادة لإنعاش الموسيقى العربية الأصيلة، يقوده الكثير من الموسيقيين، بهدف الارتقاء بالذائقة الفنية لدى الجمهور العربي». قدم اليوسف وعبدالحميد عدداً من أجمل أغاني الزمن الجميل، وحواراً بالعود ل «كوكب الشرق» أم كلثوم، فكانت تحكي على العود ويرد عليها الجمل اللحنية المختلفة. كما قدم الزوجان باقة منوعة من أجمل مؤلفات اليوسف، ومن تلك المقطوعات رقصة «ليالي الشام» و «بيت في حارة»، ومن أكثر المقطوعات التي حازت إعجاب الجمهور مقطوعة «حارة الزعفراني» التي استوحى اليوسف موسيقاها من رواية للأديب المصري جمال الغيطاني، إذ طالبه الجمهور بالعودة إلى المسرح لعزفها مرة أخرى. كما قدم اليوسف وزوجته مقطوعة بعنوان «قطار الشرق»، تلاقت فيها الموسيقى العربية بمختلف تنويعاتها. اذ يبدأ القطار بصافرته المميزة رحلته من بغداد، فنسمع مقطوعة لموسيقى عراقية تخرج من أحد البيوت وأثناء رحلة القطار يتوقف في عدد من البلاد العربية. ونستمع خلال هذه الرحلة الممتعة، الألحان الأصيلة، والمقامات المميزة لكل بلد عربي من البلاد التي مر بها القطار، والتي تختلط أحياناً مع صوت صافرة القطار. وتهدف المقطوعة إلى إزالة الحدود بين أقطار الوطن العربي.