من نعم الله على هذه البلاد الطيبة، أن هيأ لها قادة أقوياء، مخلصين للدين والدفاع عن حياضه، هذا هو منهج هذه الدولة منذ أن قامت على يد المؤسس، غفر الله له، وخلف من بعده خلفاً حافظوا على كيان هذه الدولة، بحفاظهم على الدين ومؤسساته. زُف يوم الخميس المشهود، «الثاني من رمضان 1431ه» خبر شنفت له الآذان، وتناقلته وكالات الأنباء، عَقّم الفضاء مما علق به من عبث بعض القنوات الفضائية بهذا الشهر الكريم، احتضنه جموع المسلمين بالفرح؛ فرحهم بحلول شهر الخير والبركات، أمر ملكي كريم تاريخي يقضي بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء، اكتسب أهميته، كونه أمراً ملكياً، جاء بعد نفاد صبر وحلم قائد غيور على الدين والوطن، حمل أمر وتوجيه المليك المفدى مضامين يجدر الوقوف عندها وتأملها، بعد أن قامت على أساس الدين ومصدريه «الكتاب والسنة»، ما أكسبه القوة والحزم، كنت قد كتبت مقالات عدة عن أصحاب الأفكار والفتاوى الشاذة التي بلي بها مجتمعنا في الآونة الأخيرة، وأحدثت نوعاً من التشويش والبلبلة، تصدر لها من بضاعته مزجاة في العلم الشرعي، مستغلاً مظهره الشخصي، يركض لهثاً وراء الشهرة، يطارد وسائل الإعلام من أجل ذلك، وممن يملك آلة عرجاء في الكتابة، وكنت - كما هي حال غيري من الكتّاب - نحذر من خطر أفكار هؤلاء وفتاوى أولئك الشاذة عن إجماع العلماء، ونترقب اليوم الذي يوضع فيه حد لهذه المهاترات والفتاوى الشاذة، بعد أن اتسع الخرق على الراقع وركب الجواد غير فارسه، حتى جاء يوم الخميس الذي فرجت فيه المحن، وصفدت فيه أبواب الفتن كتصفيد مردة الشياطين في هذا الشهر الكريم، صدر الأمر الملكي الكريم الموجه لسماحة المفتي والجهات المختصة، والقاضي بقصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء، يا له من أمر ملكي رائع أعاد الأمور الى نصابها، كيف لا؟! وهذه البلاد مأزر الإسلام ومحط أنظار المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها... في قراءة خاطفة لمضامين الأمر الملكي التاريخي الخاص بتنظيم الفتوى وقصرها على هيئة كبار العلماء واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإقتاء، هنا وقفات عدة: الوقفة الأولى: اختيار الوقت المناسب لهذا الأمر الملكي، مع إطلالة الشهر الكريم، أسعد أكثر من بليون ونصف البليون مسلم، كونه صدر من زعيم أمة، خادم للحرمين الشريفين، من منطلق غيرته على دين الله، وقد توشح التوجيه الكريم بوشاح الدين القويم بأدلته الشرعية التي قام عليها. الوقفة الثانية: بإيمانه القوي وتوكله على خالقه، وأد الملك الصالح الفتنة التي أطلت برأسها وكادت تعصف بالمجتمع، نتيجة صدور بعض الفتاوى الشاذة من بعض المتشيخين، الذين أحرجوا هذه البلاد ومؤسساتها الدينية. الوقفة الثالثة: هذا الأمر الملكي أعاد للعلماء المعتبرين، والمؤسسات الدينية الرسمية هيبتها، بعد أن نالها ما نالها من النقد والانتقاص من بعض الكتّاب أصحاب الهوى. الوقفة الرابعة: في هذا الأمر الملكي دلالة قاطعة على متابعة ولي الأمر، لما يدور في المجتمع من أحداث وتفاعلات، وقد جاء في حيثيات التوجيه الكريم ما نصه «رصدنا تجاوزات لا يمكن أن نسمح بها، ومن واجبنا الشرعي الوقوف إزاءها بقوة وحزم»، فهذه الكلمات الملكية الصادقة، بثت مشاعر الأمن والطمأنينة من جديد في نفس المسلم بوجه عام والمواطن بشكل خاص. الوقفة الخامسة: حيثيات التوجيه الكريم تنم عن عدم رضا الملك الصالح عن هذه الفتاوى الشاذة التي تسيئ للإسلام، وإن صدرت من متشيخين سعوديين، مادامت لم تصدر من عالم معتبر مخول لهذه المهمة، إذ لا اعتبار لأي فتوى تصدر عن المملكة، إلا إذا جاءت من كبار العلماء فيها، وفي هذا كله طمأنة للمواطنين وللمسلمين قاطبة. الوقفة السادسة: هذا التوجيه الكريم انطلق من إدراك المليك لخطورة الفتوى بغير علم على المجتمع بما تثيره من تشويش وبلبلة، لهذا جاء الأمر الملكي بما نصه «لا أضر على البلاد والعباد من التجرؤ على الكتاب والسنة، وذلك بانتحال صفة أهل العلم والتصدر للفتوى، ودين الله ليس محلاً للتباهي ومطامع الدنيا». الوقفة السابعة: جاء التوجيه الكريم بلغة الحزم للوقوف في وجه «الفتاوى الشاذة أو المتطرفة» مهما كان مصدرها «كائناً من كان»، وعدم الرضا بأي شيء يمس الدين والوطن. الوقفة الثامنة: هذا الأمر الملكي الكريم، يأتي في سياق الأوامر الملكية القوية التاريخية التي يسعى من خلالها الملك عبدالله، لتصحيح مسار البلاد والعباد، التي منها الأمر الملكي الخاص ب «سيول جدة»، إن هذا الأمر الملكي الكريم يجسد غيرة ملكية على دين الله من عبث العابثين وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، وفيه حسم لموضوع الفتاوى برده إلى أهله ووضع الأمور في نصابها الصحيح، هذا هو الأمر الملكي التاريخي واضح بجلاء لا يحتاج إلى مزايدات أو تأويلات، ولكن يبقى دور الإعلام، خصوصاً بعض الكتّاب الشواذ الذين طاروا فرحاً ببعض الفتاوى الشاذة التي لامست أهواءهم، وطفقوا يبجلون أصحابها ويدافعون عنهم، حتى ألبسوهم تاج المشيخة، فصدقهم هؤلاء وأخذتهم العزة في ما تصدروا به، لم يفرق هؤلاء الكتّاب بين دعاة الوعظ والإرشاد والتوجيه وبين رجال الفتوى، فكل عالم مكلف من ولي الأمر بالفتيا؛ يعد واعظاً ومرشداً وموجهاً، وليس كل واعظ ومرشد وموجه، لم يكن مخولاً للفتيا من ولي الأمر؛ يعتبر مفتياً، هذه قاعدة يلزم هؤلاء الكتّاب إدراكها جيداً، ليفرقوا بين الأمرين، والمهمة الأهم تقع بالدرجة الأولى على عاتق قادة وسائل الإعلام، خصوصاً المقروء منه، للوقوف بحزم في وجه بعض الكتبة وأصحاب الفتاوى الشاذة، الذين اقتحموا هذا الباب، غير مدركين لأمانة الكلمة وخطورتها، لتفويت الفرصة عليهم، لتسلم سفينة المجتمع والوطن من الخرق والاختراق، وكما أن للشهرة طلابها، فإن للفتيا رجالها! * كاتب سعودي. [email protected]