على رغم أن السعودية مثل غيرها من بلدان المسلمين، تستقبل رمضان بحفاوة بالغة، ويلتحفها الشهر الكريم بروحانيته الباذخة، إلا أن الموسم الذي اشتهر بالطاعات، غدا كذلك في ذاكرة السعوديين، موسماً لمخالفات وظواهر تتفاوت سلبيتها، حتى يرتقي بعضها أحياناً إلى إفساد شيء من متعة المناسبة الجليلة. ومن بين إحدى تلك الظواهر التي يصنفها البعض ب«جنون الصائمين»، ظاهرة محاصرة بيوت المجاورين للمساجد بالسيارات، ومنعهم في أحيان كثيرة من الخروج، بعد سد كل الطرق أمام عرباتهم الواقفة داخل المنازل أو خارجها، وهي ظاهرة وإن كانت تخص المساجد التي تشهد إقبالاً واسعاً بسبب حسن صوت أئمتها، إلا أن تجاوزها الحد، جعل الكثيرين يعتبرونها «فوضى» لا بد من مقاومتها، خصوصاً أنها تأتي من جانب مصلين، يُنتظر منهم أن يكونوا مثاليين في سلوكهم، مثلما هم كذلك في التزامهم بالصلاة التي تنهى عن المنكر قولاً وفعلاً، والتي جاؤوا إليها. وتعليقاً على هذه الظاهرة، أكد عدد من المشايخ أن إيقاف السيارات بشكل عشوائي في الشوارع والطرقات لأداء الصلاة يعد «إضراراً وإيذاء للمسلمين» وهو أمر «محرم». وأوضح الشيخ عبدالمحسن العبيكان أن إيقاف سيارات المصلين بشكل مخالف لنظام المرور لا يجوز، مضيفاً «المفترض، لا ضرر ولا ضرار، وإيذاء المسلم أمر محرم»، مشيراً إلى أن ما يحدث في «يوم الجمعة أو عند أوقات الصلاة، فالمفترض عدم الوقوف في أماكن فيها إضرار، حتى عند أبواب المنازل يعتبر إيذاء، ومحرماً، لأنه يعتبر شراً على الناس». وطالب المصلين أن «يستبدلوا المسجد في حالة وجود ازدحام، وعدم التردد إلى مسجد واحد»، مؤكداً أن المواقف مدفوعة الأجر تعتبر من النظام، «والأولى هو الالتزام بمبادئ النظام، وعدم المخالفة، حتى لا يقع إرباك وإيذاء». مضيفاً «بإمكان المصلي الذهاب لمسجد آخر كيفما تيسر له، لأن المساجد كثيرة». وكان عدد من أئمة المساجد اختلفوا حول وقوف السيارات بشكل عشوائي أمام المساجد، بين مَن يراه أمراً مقبولاً، وآخر يراه مسبباً في إلحاق الضرر بالمسلم، ووصل الخلاف إلى المواقف المدفوعة التي في العادة تكون في الأسواق المزدحمة، إن كان يجب دفع قيمة الوقوف، والمخالفة، إذ أكد الشيخ محمد النجيمي ل«الحياة» أن «الموضوع نظامي ويتطلب أن يقرر ويحكم فيه نظام البلديات والمرور، والمسألة نظامية». من جانبه، أوضح الشيخ محمد اليوسف إمام مسجد في الدمام، أن «المسألة لا تتطلب فتوى شرعية وإنما مراعاة وتسهيل لأداء الفرائض في وقت الحر، وتحديداً في شهر رمضان، فبعض المصلين تحدث أمامي عن هذه المسألة ومدى الأضرار التي ألحقت بهم نتيجة الاصطفاف في أماكن مخالفة، وتحديداً في المساجد التي توجد في مناطق شديدة الزحام والتسوق، وهذا الأمر يتفاقم في أعلى مستوياته في العشر الأواخر من رمضان». ويرى الدكتور يوسف الجبر «إمام مسجد» أن ما يحدث من المصلين في مخالفة أنظمة المرور، وتفاقمها عند دخول وقت الصلاة، «يتطلب تقبل المصلين للنظام، فالاصطفاف بعيداً حتى لو على بعد 500 متر، هو أجر فالأجر على قدر المشقة، والموضوع يجب أن يكون ضمن النظام وليس الصبغة الدينية، ولا أعتقد أن المخالفات تتقصد المصلين تحديداً، لأن الهدف هو النظام». مشيراً إلى أن إيقاف السيارة بعيداً قليلاً عن المسجد «يمكن اعتباره رياضة وحركة ناهيك عن الأجر». ويوضح الشيخ محمد عبدالعزيز (إمام مسجد)، أنّ «تفشي المخالفات قد يقلل من عدد المصلين، ومن هنا نطالب المسؤولين بالتروي، خصوصاً أن درجات الحرارة لا تسمح للمصلين بالمشي لمسافات طويلة، للوصول إلى المساجد». وأضاف: «أعتقد أنه قبل فترة أجاز البعض من المشايخ إمكان عدم الخروج لأداء صلاة الظهر وجمعها مع العصر، بسبب الرطوبة والحرارة، فالمشي في هذه الأحوال قد يصيب الناس بالأذى، وهذا لا يتوافق مع الشريعة، فالمسألة ليست تسوقاً وإنما أداء فريضة».