ازدحمت مساء أول من أمس أروقة المنطقة التاريخية الواقعة إلى جوار مسجد عبدالله بن العباس في محافظة الطائف بمعروضات السمن البري والعسل الطبيعي، وتحولت إلى عقود من اللؤلؤ المتراصة في منظومة يعتريها بريق ينبعث من أوان تقليدية يكاد يخطف الأبصار، إذ اصطدم إنتاج المرأة من السمن بإنتاج الرجل من العسل. جاء ذلك ضمن فعاليات مهرجان السمن والعسل الذي أطلق للمرة الأولى في المحافظة السياحية، معلناً انضمامه إلى بوتقة تضم مهرجانات عدة، تسعى في مجملها إلى دعم السياحة. وكان محافظ الطائف فهد بن عبدالعزيز بن معمر قد دشن فعاليات المهرجان الأول من نوعه على مستوى المحافظة، الذي تنظمه الهيئة العامة للسياحة والآثار، واطلع على المعروضات (من العسل والسمن) التي عمل على تقديمها أكثر من 30 عارضاً من المنتجين شملت العسل الصيفي والشتوي، واستمع إلى شرح عن «العسل الصيفي» الذي يعد الأكثر رواجاً ومنه الأبيض ويستخرج من أعالي الجبال من نبات «السحاة والشرم والطباق»، ويستخدم عادة كعلاج ويقدم أيضاً كهدايا ثمينة، أما الشتوي فهو «عسل السمرة» الذي يستخلص من أشجار المناطق المنخفضة ومنها عشيرة والعطيف، كالسمر والسلم والطلح ولا يقل جودة في التداوي عن سابقه وأيضاً في الطعم، إضافة إلى «عسل السدرة» الذي يكثر في مناطق جنوبالطائف ومنها شوقب ونشران. ويتزامن توقيت نزول العسل الشتوي (الذي ينتج من النباتات البرية ومنها الضهياة والقتادة) إلى الأسواق مع حلول شهر رمضان المبارك. وشاهد محافظ الطائف الطرق التقليدية لاستخلاص العسل من تجاويف جذوع الأشجار (الخلايا )، واطلع على الجهود المبذولة للحفاظ على السلالات المحلية من النحل، إضافة إلى الطرق والتقنيات الحديثة في إنتاج العسل. بدوره، اعتبر رئيس جمعية النحالين في محافظة الطائف مقبول الطلحي أن سوق العسل في مدينة الورد (الطائف) من أكبر أسواق العسل في السعودية، موضحاً أن النحالين يجلبون أنواع العسل إلى السوق صباح كل يوم، وتباع الكميات الواردة في مزايدة عامة يحضرها تجار السوق، إذ لا يسمح ببيع العسل المغشوش أو المشكوك في جودته. ولفت إلى أن أسواق الطائف تشهد هذه الأيام موجة إقبال كثيفة من السائحين والزوار الذين يوقومون بعمليات شرائية كبيرة للعسل الطائفي، مفيداً أن سعر كيلو العسل الصيفي الأبيض يتراوح ما بين 500 إلى 750 ريالاً، مشيراً إلى أن الطلب على العسل الصيفي بنوعيه يكون بدرجة متساوية. وأكد الطلحي أن العسل الصيفي يعرف من خلال خبرة بائعيه وتزداد المعرفة بجيده من رديئه،من خلال الطعم واللون والرائحة، فمتى ما عرفت شجرته التي لا تزهر إلا في الصيف يتم التأكد أن المعروض عسل صيفي. وكشف المواطن محمد الشلوي أن مهمات إنتاج السمن وفق العادات والتقاليد الاجتماعية مدرجة ضمن مهمات المرأة، بينما إنتاج العسل من مهمات الرجل. وقال: «قبل أن تصل تلك المعروضات إلى مقر المهرجان قطعت مسافة الألف ميل في رحلة مليئة بمعايشة حياة الصحراء القاسية والمواشي الأليفة لاستخلاص السمن، بينما يلزم رديفه «الشهد» صعود الجبال الشاهقة والتنقل بين صخورها الصماء». وأضاف: «في غالبية الأمر يقمن مجموعة نساء، على مراحل تحضير السمن البري كافة، باعتباره من مهمات المرأة القروية التي تقوم على إعداده بطرق بسيطة خالية من التعقيد، بينما يلزمها خبرة ودراية في هذا الجانب للحفاظ على جودة المنتج، إذ إن من المعيب انتقاده من المتذوقين». ويرى أن انطلاق المهرجان المتخصص في السمن سوف يثير التنافس في صفوف المسنات ويدفعهن إلى التفاني في سبيل مضاعفة الإنتاج والظفر بالسمعة الجيدة والمردود المادي، متوقعاً أن يفتح المستقبل مجالاً لتدريب فتيات الجيل المعاصر على كيفية مراحل استخلاص السمن. في المقابل، أوضح المواطن ثامر الخديدي أن إنتاج العسل تختلف عن إنتاج السمن، إذ إن الرجل يتولى هذه المهمة التي لا تعرف الاستقرار، ويلزمه تنقلات شبه شهرية من منطقة إلى أخرى، ويوجد لدى النحال رصيد ثقافي في معرفة طبيعة المناطق الجغرافية، إلى جانب توثيق الصلة وتبادل الخبرات مع أمثاله من شركاء المهنة. وألمح إلى أن العسل يدخل في مجال الطب، ولكن يلزمه الجودة والبعد عن الغش الذي يصعب اكتشافه سوى من الخبراء في هذا الشأن.