أشاهد آلافاً مؤلفة من النساء في الولايات الأميركية يعملن كالنحل في كل مكان، في محال البيع وفي خدمات النظافة وفي مكاتب الاستقبال وفي الفنادق، وفي الإعلام وفي وزارة الخارجية وفي وزارة الدفاع، وفي الأمن القومي وفي البرلمان وفي القضاء، كما يترشحن أيضاً لرئاسة الدولة. وتمثل النساء 51 في المئة من جميع العاملين في القطاعات ذات الأجر المرتفع. تخيل لو أن هذا الجيش العرمرم من قوة العمل يعاد للمنازل ويتم احتجازه وراء الجدران تحت حجج مختلفة مثل أن الرجل وحده هو المسؤول عن المرأة وعن حمايتها وتوفير لقمة العيش لها، وليس هي، أو أن المرأة فتنة سيضر المجتمع عملها واختلاطها بالرجال وخروجها للعمل. ثم تخيل لو أن هذه المقولة بدأت تتكرس في مناهج التعليم وفي الثقافة وفي عقول الشباب والنساء . تخيل ماذا يحل بواقع العائلات الفقيرة التي تقول الإحصاءات إن ثلثها تعولها نساء، وزد عليها واقع الأسر التي ستكتفي بدخل واحد بينما تستطيع أن تتمتع بدخلين في ظل الأزمات الاقتصادية المتزايدة مع انخفاض الدخل. وزيادة على هذه الخسارة الاقتصادية، فإن حضور المرأة في المجتمع سيختفي، وسيؤدي هذا إلى تشوه قيمتها الاجتماعية وستتراكم فوق صورتها كل أشكال الضعف البشري، فهي عنصر تم شله وإضعافه، ومن ثم سيسهل استغلاله بزيجات أشبه بعمليات بيع بعقود شرعية وأحياناً قد تبيع جسدها من دون عقد، وستصبح مناقشة حقوق هذا الجنس المعتقل في المنزل مدار جدل ساخن، وشديد الحساسية، وستسعى كل طائفة إلى مراعاة مصالحها في موقفها من هذا الكائن المسمّى امرأة، وسيصبح فعل بديهي مثل أن تخرج المرأة للشارع أو أن تعمل في مؤسسات الدولة الحديثة سؤالاً يهيج الاحتجاجات والمدونات والنظريات الاجتماعية والمدارس الفقهية، وستصبح مصالح المجتمع كلها قائمة على تهدئة هذا الباب الساخن والتضحية به لمصلحة المجتمع الذي يسيطر عليه الذكور ويضع القواعد بحسب مواصفات مصالحه ورغباته ومتعه. ستظهر المؤلفات والمنشورات حول عمل المرأة في الميزان، وستتبدل الأقوال في حقها بحسب هبوب الريح وغلبة القول الأقوى زمنياً. لكن جيوش النساء في أميركا تحتمي بقوانين دستورية متينة ترى أن كرامتها في تأمين كسب عيشها لا في احتجازها، هذا القانون المتين يتعرف عليه كل شاب عربي أو سعودي يدخل إلى الأرض الأميركية، ويحذره بأن مجرد تلطفك مع فتاة دون الثامنة عشرة يعتبر جريمة فيدرالية، والمرأة التي توجه أصبعاً لرجل بأنه آذاها سيتم تكبيله بالقيود ووضعه في سيارة الشرطة قبل أن ينبس بكلمة ثم يعودون للمرأة لاستكمال التحقيق على مهل. لهذا تعمل النساء في الحضارة العظمى، والعَرق الذي ينسكب على جباههن هو دليل شرف ومسؤولية لا دليل حاجة ومذلة.