اختتم ملتقى عمان للشعر العربي تاركاً علامة استفهام كبيرة حول قضايا تمت مناقشتها من دون الخروج بنتائج أو حلول مقترحة. وكعادتها كانت قصيدة النثر التي تبحث عن شرعية على رغم هيمنتها على المشهد الشعري، مثار جدل ونقاش وصف احياناً بالجريء والحاد. ورغم غياب الشاعر والناقد اللبناني عبده وازن وحضور ورقته أو مداخلته حول قصيدة النثر والتي قرأها الشاعر راشد عيسى، الا ان تلك الورقة كانت محور الجلسة المخصصة لقصيدة النثر، وقد تناول فيها وازن بداية ظهور قصيدة النثر في فضاء الشعر العربي. وتحدث الناقد والباحث السوري صبحي حديدي عن «الشعر وتحولات المرحلة من البرهة السيابية إلى قصيدة النثر»، وتناول تحولات ثلاثةً اعتبرها الباحث نفسه «مفصلية لا من حيث تطور الشعر العربي الحديث والمعاصر، كما قال، «بل من حيث مأزق قصيدة النثر بصفتها الشكلَ المهيمنَ على المشهد الشعري العربي المعاصر». ويرى حديدي أنّ السياب، على رغم مناهضته لقصيدة النثر، إلاّ أنّ قصائده من الناحية السوسيولوجية «كانت تشكل التحصين غير المباشر لقصائد النثر». وتحدث حديدي عن «المأزق الذي تعيشه الآن قصيدة النثر»، بتعبيره، وشخّص هذا المأزق بأنّ قصيدة النثر، «تخلت عن البنية الإيقاعية من دون أنْ تقدم بديلاً»، فاعتبر ذلك «غرابة للنص عن القارئ ثقافياً»، ومن جهة ثانية، راهنت قصيدة النثر «على قارئ ميتافيزيقيّ (غير موجود)، وعلى قراءة غير موجودة»، وأشار إلى أنّ الأمة العربية أكثر أمة تكتب قصيدة النثر في العالم ، وأنّ شعراءها «اعتقدوا أنّ التخلي عن الإيقاع لمصلحة بناء قصيدة تقوم على الصورة هو وسيلة لتطوير القارئ من دون الاهتمام بأن عالم الاتصال سرق الكثير من قدرة الشاعر على رشوة القارئ». وأعرب الناقد وجيه فانوس عن حزنه لأنّ الحديث انصبّ على قصيدة النثر؛ بصفتها مرآةً مقبلة. وقال إن الشعر لم يَعِد نفسه الذي نعرفه من قبل. وطرح قضايا مثل جمهور الشعر، نخبويّة الشعر، وترفيّته، المرحلة الحداثوية... وانتقد الناقد مصلح النجار في ورقته «مستقبل الشعر العربي الحديث» تجربة جيل ثمانينات القرن العشرين وتسعيناته الذين كتبوا قصيدة النثر ووصفهم بأنهم جيل شعري منفصم بين إعلان دينه للآباء الذين استراحوا في المتكأ المؤسساتي بعدما روضوا قصيدة النثر والتمرد على وصاياهم. وقدم الناقد سامح الرواشدة، ورقته في جلسة «مرايا أدونيس: المفهوم وتقنيات التوظيف»، وهي، كما قال الناقد نفسه، «مشروع ورقة لم تُنجز بصورتها النهائية». أمّا ما دفعه لتناول هذا الموضوع فهو أنّ «تقنية المرايا في شعر أدونيس لم تلق في النقد العربيّ الحديث عناية» بصفتها التقنية. وقال ان هذه التقنيات هي «القناع، والسيرة التاريخية والرمز». ثم ذهب إلى إبراز «حدود الشبه والاختلاف بين هذه الأدوات». ولم يغب الشاعر الراحل محمود درويش عن ملتقى الشعر العربي، ففي المائدة التي ترأسها حديدي اعتبر الفلسطيني إبراهيم خليل، درويش شاعر الإيقاع والموسيقى وصاحب أفق متسع وممتد في رحلة السؤال الفلسطيني منذ قرن تقريباً. وانقسم المتحدثون حول نتاج الشاعر الفلسطيني الراحل، فمنهم من رأى أن الراحل لا يستكين لمجد أو منجز في حين اعتبره آخرون غير منزه عن الخطأ. أما الناقد التونسي محمد عوني فقال «لم نر شاعراً شغل الساحة العربية بامتياز كدرويش فقد خلص بقضيته وإنسانيته الى فضاء العالم، وربما كان في قلقه وسؤاله عن علاقته بالعالم وقضيته متزناً على رغم ما في ذلك من مغامرة، فلم يقف أو ينصب خيمة في وسط الطريق، وكانت القصيدة عنده أهم من الحياة. فقد قدم قلبه المرتجف والمريض للشعر ومدونته الشعرية وعرف من أين تؤتى الحياة، وكيف يقارب الموت ثم يصنعه شعراً لاهباً». وقال الناقد العراقي محمد صابر عبيد إن درويش كان ذكياً في اقتناص مزايا أبرز الشعراء العرب المعاصرين، فقد أخذ عن السياب طاقة تمثيل التجربة الروحية، وعن أدونيس مهارة الصنعة الشعرية، وعن نزار قباني البساطة الكثيفة التي تصنع منه نجماً شعرياً. ورأى الشاعر اللبناني محمد علي شمس الدين أن درويش شاعر يمكن اختصاره في ثلاث صفات هي «حب الحياة والغنائية والقلق الشعري كما كان المتنبي وشكسبير». وقدم بعض الشعراء العرب تجربتهم الشعرية تحت عنوان «أنا وقصائدي». وتضمن الملتقى خمس امسيات شعرية شارك فيها شعراء اردنيون وعرب من بينهم : يوسف رزوقة من تونس، عبدالقادر الحصني من سورية، محمد علي شمس الدين من لبنان، روضة الحاج من السودان، وجريس سماوي وإبراهيم نصرالله ومها العتوم وحكمت النوايسة وزليخة ابو ريشة وأحمد الخطيب وراشد عيسى وعمر أبو الهيجاء ونبيلة الخطيب ولينا أبو بكر وعبدالله منصور من الأردن.