يبدو أن فنّ تحقيق فقد في الربع الأخير من القرن العشرين الكثير من مكانته التي كان يحتلّها في الدراسات الشرقية. نشأ الاهتمام بنشر النصوص المحققة، وبخاصة في القرن التاسع العشر، من تيارات فكرية معيّنة؛ منها القدوة العلمية التي اقترحتها وفرضتها الدراسات الكلاسيكية، ونشأ كذلك من معطيات ثقافية مثل توافر المخطوطات الشرقية في أوروبا. ومن الأنشطة البارزة في هذا المجال نشر سلسلة من الكتب المحققة بعنوان النشرات الإسلامية التي بدأت طباعتها في مدينة اسطنبول عام 1928 تحت إشراف جمعية المستشرقين الألمان، وما زالت تنشر في بيروت إلى الآن. مناقشتنا الأهدافَ الأولية لهذه المبادرة وإرثها القديم، مع سياقها الفكري وإطارها العملي، تمكننا من إلقاء ضوءٍ على إنجازات هذا المشروع وإشكالياته. نستنتج من ذلك أنّ منهجية التحقيق، على رغم التغيرات التي حدثت في مجال العلوم الإنسانية عامّة، والتي أثّرت في مجرى الدراسات الشرقية، ظلت مفتاحاً لنقد النص وتثبيت سياقه التاريخي. بالتالي أصبح التحقيق تخصصاً علمياً، جديراً بالعناية الأكاديمية في كل مجالات التراث.