رئيس الخلود: لا نتوقف عن العمل من أجل سوق الانتقالات الشتوية    وزارة الرياضة تحقق مستهدفات جديدة في نسب ممارسة النشاط البدني لعام 2025    الفتح يطلق حملة جماهيرية لمواجهة الاتفاق امتدادًا لشعار "الحساوي فتحاوي"    السديس: أمتنا أحوج ما تكون لهدايات القرآن في زمن الفتن    الديوان الملكي: وفاة صاحبة السمو الأميرة هيفاء بنت تركي بن محمد بن سعود الكبير آل سعود    أنظمة الدفاع الجوي الروسية تسقط 3 مسيرات متجهة إلى موسكو    منظمة الصحة العالمية تجلي 41 طفلا من قطاع غزة    الرئيس الموريتاني يصل جدة لأداء مناسك العمرة    مسابقة "كأس فرسان علم السموم العرب" تنطلق اليوم    رابطةُ العالم الإسلامي تُشيد بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    جمعية توعية الشباب تعزز مهارات التعامل التربوي مع الأبناء    تدشين فعالية اليوم العالمي للصحة النفسية في الخبر    مطار الملك سلمان الدولي يوقّع شراكة استراتيجية مع منتدى TOURISE 2025 لدعم السياحة المستدامة    الوداد المغربي يتعاقد مع الجناح زياش    صقّار يطرح أول شاهين في حياته ويبيعه ب(193) ألف ريال    المنتخب السعودي يُتوّج بلقب كأس العرب للهجن بنسخته الثانية    الأسهم الأمريكية تغلق على ارتفاع    انعقاد مجلس الأعمال السعودي الأسترالي النيوزلندي السعودي    تنقل زواره لتجربة سينمائية عبر رحلة تفاعلية مكتملة    انتهاء التقديم على «منصة التوازن العقاري» للراغبين بأراضي سكنية في الرياض    المملكة توزّع (500) سلة غذائية في محلية كرري بولاية الخرطوم    «سلمان للإغاثة» يوزّع (213) سلة غذائية في مخيم لواء باباجان في أفغانستان    ميندي: ضغط المباريات ليس عذراً    أمانة جازان تنظم "ملتقى جازان الخضراء": مبادرة رائدة لتعزيز الاستدامة ورفع الرقعة النباتية بالمنطقة    الأهلي يتغلّب على النجمة بهدف البريكان ويحتل المركز الرابع في دوري روشن للمحترفين    فرع الشؤون الإسلامية بجازان يفعّل أكتوبر الوردي بمبادرة صحية توعوية    أمير تبوك يهنئ الشيخ صالح الفوزان بمناسبة تعيينه مفتياً عاماً للمملكة    163 ألف ريال لصقرين في مزاد نادي الصقور السعودي 2025    أمانة الشرقية تنفذ تجربة فرضية لمواجهة الحالات المطرية    أمير منطقة جازان ونائبه يلتقيان أهالي فرسان    بيان عربي إسلامي: ضم الضفة انتهاك صارخ للقانون الدولي    80 شركة ناشئة تتنافس في حلبة المستثمرين    أمير منطقة تبوك يواسي أسرة القايم    القبض على شخص أشعل النار في مركبة بالقصيم    59.1% من سكان السعودية يمارسون النشاط البدني أسبوعيا    الأمين العام للأمم المتحدة يأمل أن تلتزم بالرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية    بروكسل تعد القاهرة بمساعدات بقيمة 4 مليارات يورو خلال أول قمة أوروبية – مصرية    لشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبدالله الفوزان مفتيًا عامًا للمملكة العربية السعودية ورئيسًا لهيئة كبار العلماء ورئيسًا عامًا للرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بمرتبة وزير    محافظ الطائف يلتقي مدير الدفاع المدني اللواء القحطاني    نائب أمير نجران يتسلم تقريرًا عن مشاريع الأمانة    تكليف العنزي مديراً للإعلام ومتحدثاً لوزارة الشؤون الإسلامية    "الإحالات الطبية" ينفذ خمسة آلاف إخلاء سنويًا ويُنقذ 30 ألف حياة    أكد رسوخ الوفاء والمبادرات الإنسانية.. محافظ الأحساء يكرم مواطناً تبرع بكليته لوالده    القيادة تعزي أمير الكويت في وفاة علي الصباح    برنامج ثقافي سعودي- فرنسي يمتد حتى 2030.. 50 مليون يورو لدعم مشروع «مركز بومبيدو»    عرض مسرحية «المايسترو» مطلع نوفمبر    في ثالث جولات كأس آسيا 2.. النصر يعبر جوا الهندي بثنائية ويعزز صدارته ل«الرابعة»    آل حلوّل والضليمي يزفون داؤود    المملكة توقع اتفاقية دولية للإنذار المبكر من العواصف    أمر ملكي بتعيين الفوزان مفتياً عاماً للمملكة    الاستثمار في رأس المال البشري.. البيز: 339 سعودياً يدرسون الأمن السيبراني في أمريكا    أجريت إنفاذاً لتوجيهات خادم الحرمين وولي العهد.. نجاح عملية عيب خلقي في القلب لطفلة فلسطينية    بالونات مجهولة تثير مخاوف الأمريكيين    معقم الأيدي «الإيثانول» يسبب السرطان    نادي الساحل يكرم حملة التطعيم    التراث يحفّز الاستثمار ويقود ازدهار المتاحف    الذهب يفقد بريقه مؤقتا تراجع عالمي حاد بعد موجة صعود قياسية    أمير حائل يستعرض خطط وبرامج جمعية تحفيظ القرآن الكريم بالمنطقة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النشر التراثي... المفهوم والقضايا والآفاق المستقبلية
نشر في الحياة يوم 16 - 05 - 2009

لم يأتِ صدفة اختيارُ «النشر التُّراثي» عنواناً لمؤتمر في مكتبة الاسكندرية (5 – 7 أيار/ مايو 2009) وإنما كان الاختيارُ استجابةً لمقتضيات السير على الدرب الذى بدأناه قبل سبعة أعوام، عقب الافتتاح الرسمي للمكتبة وبدءِ النشاط الأكاديمي لمركز المخطوطات ومتحف المخطوطات، وهما كِيانان أكاديميَّان ملحقان بالمكتبة، يُسهمان بحسب المراد منهما، في دعم الوجه الأكاديمي لمكتبة الإسكندرية، حفاظاً على شخصية المكتبة الجديدة التي استمدت ملامحها من طبيعة ودور المكتبة القديمة التي اندثرت قروناً، لكنها ظلت تلوح في وجدان الإنسانية مثلما تلوح بقية الوشم في ظاهر اليد.
كانت مكتبةُ الإسكندرية القديمة، تُعنى بالتراثِ السابقِ عليها؛ تراثِ اليونان ومصرَ وشعوبِ المنطقة المسماة بحوض البحر المتوسط، وهو ما حدا بعلماء الإسكندرية القدامى، من خلال المكتبة والمعهد العلمي (الموسيون) إلى إحياء تراثٍ عظيم كاد يندثر في زمانهم. ومن ثَمَّ، أبقتْ لنا الإسكندريةُ القديمةُ تراثَ أبقراط وجالينوس من خلال ما عُرف بمنتخبات الإسكندرانيين. وأبقتْ لنا الجهودَ الرياضيةَ الفيثاغورية من خلال أعمال الإسكندرانيين من أمثال أبوللونيوس وديوفنطس وثيون وهيباتيا. وأبقتْ لنا أيضاً، الديانةَ اليهودية من خلال الترجمة السكندرية (السبعينية) للتوراة، من اللغة العبرية المندثرة آنذاك، إلى لغة العلم والفكر في ذاك الزمان: اليونانية. وعلى هذا المنوال، نسجتْ الإسكندريةُ القديمةُ تراثها الخالد الذي جاءت المكتبةُ الجديدة، هذه، لتحييه وتبعثه من تحت ركام السنين، ومن الرماد الباقى بعد احتراق المكتبة القديمة واندثارها، لتقوم المكتبةُ ثانيةً من رمادها، مثلما تقوم العنقاء من رمادها فتحلِّق بأجنحتها، أسطوريةِ الروعة.
من هنا، جاءت جهودُ مركز المخطوطات ومتحف المخطوطات، إحياءً لملامح «مكتبة الإسكندرية» وإبقاءً لها من بعد طول فناء. وهو ما يتمثَّل اليوم فى مسارات عدة، من بينها مسارُ المؤتمرات السنوية للمركز، وهي المؤتمرات التي ابتدأت بمؤتمر المخطوطات الألفية الذي عقد في ربيع العام 2004، حيث تم توجيه الأنظار إلى المخطوطات العربية الأكثر ندرةً في العالم، وهي تلك النسخ الخطية التي قاومت عوامل البِلى والفَقْد طيلة ألف عام أو يزيد. فكان من الإسهامات المهمة لذاك المؤتمر الأول، إضافة إلى بحوثه العلمية المتخصصة الكاشفة عن تلك المخطوطات الأوابد؛ ذلك الإسهام المتمثل في حصر المخطوطات الألفية العربية، وبيان توزُّعها على مكتبات العالم شرقاً وغرباً، وهو ما تم من خلال كتابٍ بالعنوان نفسه (المخطوطات الألفية) صدرت منه طبعةٌ خاصةٌ قبيل عقد المؤتمر، ثم أصدرتُ له من بعد المؤتمر طبعتين عن داريْ نشرٍ كبيرتين هما: الهلال، ونهضة مصر.
يقع مفهومُ النشر التراثي، على كل نصٍّ من التراث العربي الإسلامي، تم إخراجه من الحيز الضيق للنسخة أو النسخ الخطية المكتوبة باليد، التي هي لا محالة محددةُ الانتشار، إلى الأفق الأوسع لهذا النص أو ذاك، مطبوعاً أو مصوَّراً طبق الأصل أو متاحاً في صيغة إلكترونية (رقمية) معاصرة. وبحسب هذا المفهوم، فإن انتقالنا من بحث المخطوطات المطوية في مؤتمرٍ سابق، إلى بحث المخطوطات المنشورة في هذا المؤتمر؛ إنما هو انتقالٌ منطقيٌ بين مفهومين متضادين، يتعلقان معاً بتراثنا المخطوط.
غير أن هذا الانتقال بالبحث والنظر، من المطويِّ إلى المنشور؛ ليس انتقالاً آلياً بين مُتقابلين، وإنما هو نافذةٌ نطلُّ منها على هذا المخزون المعرفي الهائل، المسمَّى اصطلاحاً: تراثاً عربياً، من جهة جانبية: المطوي والمنشور. وهو بابٌ لبحث ما يرتبط بكل جانبٍ منهما، من قضايا ورؤى سنشير إليها بعد قليل، بعد الإلماح إلى أن المؤتمر الذي نبدأه الآن، إنما هو حلقةٌ وسطى وخطوةٌ متوسِّطة بين مؤتمرنا السابق (المخطوطات المطوية) وما سيليه من خُطى على الدرب الطويل الرامي إلى الوعى بالتراث، وهي خُطى تتمثل في مؤتمراتِنا المقبلة التي سنعلن عن موضوعاتها، في الجلسة الأخيرة لمؤتمرنا هذا، مساءَ بَعْدِ غدٍ.
قَضَايا النَّشْرِ التُّراثي
أولى القضايا المتعلقة بموضوع المؤتمر، هي قضيةُ الوعي بالتراث عبر المنشور منه، والغياب الكامل لجوانبَ وأصولٍ مؤسِّسة لتراثنا، لم نُعنَ بنشر نصوصها. ولذا، فإن الناظر في برنامج هذا المؤتمر، سيلحظ اهتماماً خاصاً بالبدايات الممهِّدة للتراث العربي الإسلامي، وهي أصولٌ دينية تتمثل مثلاً في المسيحيات التي خصَّص لها المؤتمر أوراقاً عدة، وأصولٌ لغوية تتمثل مثلاً في السُّريانية التى اختصَّت بها آخر الجلسات العلمية، وهي الجلسة العلمية السابقة مباشرةً على حلقة النقاش الختامية التي ينتهي معها المؤتمر، بعد ثلاثة أيام.
والقضيةُ هنا، هي اعتقادنا نحن العاملين في مركز المخطوطات، بأن التراث العربي الإسلامي لم يطفر فجأة في الفراغ. فلا شيء يطفر في الفراغ من دون أصلٍ مؤسِّسٍ له، وتمهيدٍ سابقٍ عليه. وسأزيدُ هنا، من دون أن أتزيَّد، مؤكِّداً اعتقادي العميق بأن فهم التراث العربي الإسلامي، من دون النظر في سوابقه اللغوية والدينية، هو أمر مستحيل. وإلا، فكيف نظن أن تراثنا اللغوي ونمط الخط العربي (الكتابة) قد تدفَّقا مقطوعي الصلة باللغات القديمة التى عاصرت فجر اللغة العربية؟ وكيف نتوهَّم أن التراث العلمي العربي، انبثق فجأةً بعد (حركة الترجمة والنقل) التي نُظر دوماً إليها على اعتبار أنها كانت مجرد وصلة بين التراثين: اليوناني القديم، والعربي المستفيد منه؟ وكيف تطوَّرت علوم الدين الإسلامي، مستقلةً عن التراثيات الدينية التي سبقتها، وتفاعلت معها؟
إن قصور عنايتنا بنشر النصوص المؤسِّسةِ والممهِّدةِ للتراث العربي الإسلامي، وقَصْرِ أنظارنا عن عملية التواصل بين التراثيات المتعاقبة؛ يمثلان واحدةً من القضايا الجوهرية التي يطرحها هذا المؤتمر، ويسعى لتوجيه الأنظار إليها. انطلاقاً من أن النظر في أصول التراث العربي الإسلامي، لن يقلِّل من شأو الإسلام أو شأن العربية.
وثَمَّة أمرٌ آخر، ملخَّصه أن نشر التراث العربي في عمومه، ابتدأ خارج الديار العربية. بل كان ابتداؤه بعيداً، ومن وراءِ البحار، في إيطاليا وألمانيا والهند! فهناك توالى مبكراً ظهورُ النصوص التراثية العربية، مطبوعةً في أوروبا، بعد عشرين عاماً فقط من ظهور المطبعة الحديثة على يد يوحنا غوتنبرغ. وبعد ذلك بقرابة قرنين ونصف قرن من الزمان، بدأ العربُ ينشرون على استحياءٍ تراثهم في بلادهم. وهو الأمرُ الذي، ويا للدهشة، قد بدأ في حلب الشهباء التي غالباً ما يجهل الناسُ في زماننا، أنها كانت أول مدينة عربية بادرت إلى هذا الأمر الجليل والشأن الظليل.
والقضيةُ هنا، أن الوعي بالتراث العربي مرتبطٌ بالضرورة، بنشر نصوصه. وإلا فكيف نعي تراثاً مطمورَ الأوراق في الخزانات الخطية العتيقة، وقد ظل طويلاً ولا يزال معظمه، غيرَ مفهرسٍ ولا منشور؟ وكيف بادر البعضُ من أساتذتنا العرب، خلال العقود الماضية، إلى تقديم (قراءات) في التراث وطرح (نظرات) في العقلية العربية، من دون الاعتماد على المخطوط من تراثنا، وهو الذي يمثل قرابة التسعين في المئة من مجموعه العام؟ لقد نشرت أوروبا التراث العربي مبكراً، فكان فهمها لنا، أبكر من فهمنا لنا. وبحسب ما ورد في الحديث الشريف، فإن الخير في البكور.
ومن هنا، اشتمل برنامجُ المؤتمر على أوراقٍ بحثية، جاءت ملبيةً لضرورة النظر في هذه القضية، سعياً لاستعراضِ الملامح العامة لمسيرة النشر الاستشراقي للنصوص العربية، ولتأكيد أن النشرات الأوروبية للتراث العربي، لم تتوقف حين بدأ العرب ينشرون. كما جاءت للإجابة عن السؤال الملحِّ: ما السببُ الدافعُ لنشر المنشور، ثانيةً، بل ثالثاً ورابعاً... وجاءت أخيراً، لبحث آثار التعارض والتفاوت، الملحوظين، بين النشرات التراثية التي تكرَّرت ما بين هناك وهنا. وهذه كلها، قضايا محورية تتعلق بتراث نشر التراث؛ يهدف هذا المؤتمر للكشف عنها.
* مدير مركز المخطوطات ومتحف المخطوطات في «مكتبة الاسكندرية».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.