لم يتصور المصريون أن تتحول عبارة مجازية إعلانية إلى حقيقة واقعة تنغص عليهم حياتهم، وتؤرق نومهم في ليالي الصيف القائظ، وتصيب جانباً كبيراً من تفاصيل حياتهم اليومية. فقد تحولت عبارة «مصر منورة بأهلها» التي اشتهر بها إعلان تلفزيوني حكومي يبث بهدف الترويج لمصر كوجهة سياحية إلى واقع مؤلم، بعد ما قيل تفكهاً أن الحكومة استعاضت عن الكهرباء بالبشر لإضاءة الحياة ليلاً، اعتماداً على عبارة أن «مصر منورة بأهلها». ثلاثة أسابيع كاملة وشكاوى المصريين تتعالى في أرجاء مصر من كثرة وطول فترة انقطاع التيار الكهربائي في بيوتهم، وهو الانقطاع الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بارتفاع درجة حرارة الجو ورطوبته. ووصلت الشكاوى ذروتها حين انقطع التيار الكهربائي عن سبع محافظات في صعيد مصر. هذا الانقطاع أصاب الحياة في كل من أسوان والبحر الأحمر والأقصر وسوهاج وأسيوط والوادي الجديد وقنا بحالة شلل تام لمدة تزيد على ساعة، بما في ذلك المستشفيات والمرافق الحيوية. ويضع الملايين أياديهم على قلوبهم، خوفاً من ان كثرة الحديث عن الأحمال الزائدة، وتصريحات مسؤولي الكهرباء عن ما يحدث في دول العالم المتقدم في ساعات الذروة التي يزيد فيها استخدام الكهرباء، هدفها زيادة تعريفة الكهرباء. يقول الموظف محمد السيد (45 عاماً) إنه اضطر إلى تركيب جهازي تكييف في بيته، واحد في غرفة والدته المريضة التي يمكن أن تقضي عليها إحدى الموجات الحرارة الشديدة، والثاني في غرفة أبنائه، إذ يتجمع كل أفراد الأسرة فيها ليلاً مفترشين الأرض هرباً من الحرارة القائظة والرطوبة الخانقة. يقول: «منذ بداية الصيف وفاتورة الكهرباء لا تقل عن 350 جنيهاً شهرياً، أي ربع راتبي بالتمام والكمال. فإذا تفتق ذهن أحدهم عن زيادة التعريفة، فقد أضطر إلى فصل جهازي التكييف تماماً، ولنكن شهداء الطقس والفواتير الملتهبة». طريقة أخرى مبتكرة باتت عائلات كثيرة تلجأ إليها هرباً من الحر، وهي اللجوء إلى أحد المراكز التجارية الضخمة، حيث تكييف الهواء المركزي. سيدة صلاح (38 عاماً) تتردد إلى أحد هذه المراكز، يوميا، هي وزوجها وأبنائها الأربع. تقول: «نمضي فترة بعد الظهر والمساء كلها في المركز الذي، للأسف، يغلق أبوابه عند منتصف الليل. والكارثة إننا كثيراً ما نعود يشار الى ان مصر بلغت هذه السنة المعدل الأعلى لاستهلاك الطاقة الكهربائية في تاريخها. وكان مسؤولو الكهرباء لجأوا في أوائل الشهر الجاري إلى حل بديل لتوفير قدر من الطاقة الكهربائية وتأجيل خيار رفع أسعار الكهرباء، وذلك بخفض إنارة الشوارع ليلاً، وهو الخيار الذي أثار الكثير من الغضب، كما لم يخل من سخرية حادة. فإنارة الشوراع ليلاً هي أحد سبل تحقيق الأمان، لا سيما في الشوارع الهادئة البعيدة من المحلات التجارية. من جهة أخرى، تزامن هذا الاتجاه الترشيدي مع ترك أعمدة الإنارة مضاءة نهاراً، واطفائها ليلاً. وقد انتشرت فزورة بين المصريين أخيراً تقول: «منورة بالنهار ومطفأة بالليل»، والإجابة هي «عمود النور». فزورة أخرى ابتدعها البعض، وهي «كيف تتبع إرشادات وزارة الكهرباء الخاصة بترشيد استخدام جهاز التكييف والغسالة الكهربائية والتلفزيون، والكهرباء مقطوعة عندك من الأصل؟»، لكن عملية البحث عن إجابة مازالت مستمرة. يشار إلى أن فاتورة الكهرباء يضاف إليها مبلغ ثماني جنيهات هي قيمة جمع القمامة، وهي القمامة التي لا يجمعها أحد، ربما انتظاراً لتجميع بلايين الأطنان منها لتنفيذ حلم توليد الطاقة من القمامة. ولحين تنفيذ هذا الحلم، تظل «مصر منورة بأهلها» ليلاً وأعمدة الإضاءة نهاراً.