لم ينظر إلى محاولته سوى أنها مغامرة وتجربة لشاب في مطلع الثلاثينات أرباحه منها معنوية أكثر منها مادية. يقول ضاحكاً: يا صابت.. يا خابت! وبطبيعته المرحة يستدرك أن تلك العبارة محض مزحة لأن حساباته كانت تدل على ثقة تامة، رآها البعض غروراً. ينظر خميس السليمي بارتياح إلى تجربته في مجلس الشورى العماني بعد أن حقق ما اعتبره كثيرون في ولايته (سمائل) مفاجأة حيث وصل للمرة الثانية إلى المجلس، بعد مفاجأة أولى حدثت قبل سنوات عندما وضع اسمه بين الناجحين في الانتخابات على رغم وجود منافسة شديدة من شيوخ القبائل وأعيان الولاية. وكان فوز خميس نصراً للشباب في معركة التغيير في الخطاب البرلماني والذي سيطر عليه الشيوخ التقليديون سنوات عديدة، وكان بينهم من لا يحمل أي مقدرة أو مهارة سوى صفة «شيخ قبيلة» وتقف وراءه أصوات عشيرته ومن يتحالف معها. السليمي وبعض شباب جيله أرادوا رسم تجربة مختلفة في المشاركة السياسية لهذا المجلس الذي يعدّ من أوائل المجالس البرلمانية في المنطقة التي اعتمدت أسلوب الانتخاب المباشر، حيث لا شيء يضمن الوصول إلا صناديق الاقتراع. وشكلت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة عوامل دفع وتحفيز فنال كل مواطن عماني يبلغ الحادية والعشرين حق التصويت كما نالته المرأة كاملاً، ناخبة ومنتخبة، في توسيع لمشاركتها في التجربة التشريعية المحلية. ويرى السليمي في حديثه الى»الحياة» أن بلاده تعاملت مع مجلس الشورى بأسلوب التدرج في المشاركة، وحين ارتقت خيارات الناخب أعطت الدولة مجالاً أوسع لهذه المشاركة، وجميع القوانين التي تصدر تعرض حالياً على المجلس لوضع توصياته حولها، وغالبيتها تؤخذ بها من قبل الحكومة. ويفتخر السليمي بوجود جيل من الشباب يمارسون حقهم في المشاركة السياسية تحت قبة المجلس، ووصلوا بأصوات الناس وليس عبر أي أسلوب آخر. ويسترجع خميس الحكاية التي بدأها عام 2003، ونصحه أحد الأعضاء السابقين في ولايته بأن يتراجع هذه الدورة من الانتخابات ليضمن له أصواته في الدورة التالية، حينما كان قانون المجلس يمنع الترشح لأكثر من دورتين، وتم تعديله قبل سنوات ليكون من حق العضو البقاء لعدد غير محدود من الدورات. يتذكر السليمي تلك اللحظات التي جعلت من مشاركته السياسية هاجساً له كشاب يعمل في شركة نفط، محولاً مجرى حياته من عادي إلى نمط حيوي وفاعل بدأه بالإعداد للترشح. ويقول: «اتهمني عضو المجلس السابق عن ولايتي بالغرور حينما أخبرته بأن التنافس سيكون بيننا، فهو كان ضامناً مقعده لاعتماده على وضعه الاجتماعي الكبير، أما بالنسبة الي فرهاني كان كبيراً على الشباب، ولم أخط الخطوة واثقا بالفوز من فراغ. فعدد الذين وجدت لديهم الرغبة في مساندتي ومستوى المنافسين فتحا أمامي طريق الوصول إلى المجلس، خصوصاً مع الانتقادات الكثيرة والمعلنة التي وجهها الأعضاء الكبار السن وذوو الأفكار التقليدية الذين لم يصلوا بأصوات الشباب ولم ينقلوا وجهة نظرهم يوماً». وقال: «الحياة السياسية المعاصرة دخلت إليها شروط مهمة كالتعليم العالي والتخصصي ومفاهيم الحكومة الالكترونية وغيرها من المصطلحات البعيدة من أجندة الجيل السابق». يقول السليمي أن ثقة الشباب به وبما قدمه لولايته خلال السنوات الأربع التي قضاها ضمن الدورة الأولى التي انتهت في آب (اغسطس) 2007 دفعته لدخول انتخابات الدورة التالية في تشرين الاول (اكتوبر) من العام نفسه. وهو يعتبر أنه نجح في التجربة، فكونه وصل إلى أن يكون مقرر لجنة التربية والتعليم والثقافة دليل على أنه استفاد وعرف كيف يكون فاعلاً, فهذه اللجنة قدمت توصياتها في دراسة حول وضع الجامعات والكليات الخاصة وتم الأخذ بها من قبل الحكومة. وينظر السليمي إلى السنة المقبلة بتفاؤل أشد للفوز في الانتخابات المقررة في تشرين الاول 2011، ويقول: « لولايتي عضوان في مجلس الشورى كون عدد سكانها أكثر من 30 ألف نسمة، لكن المرشحين سيتنافسون على مقعد واحد فقط، لأن المقعد الثاني مضمون لي». وينفي عنه تهمة «الغرور» التي يصفه بها زملاؤه من الجيل السابق، مراهناً على آلاف الشباب الموزعين على الفرق الرياضية والفنية وسلك التدريس والذين يتواصل معهم بأسلوب العصر. ويقول: «إنه منطق الأشياء. فزت في الدورتين السابقتين وكان لدي عدد أقل من الناخبين، أما اليوم فزاد عدد الذين أثق بانهم سيمنحونني أصواتهم إضافة إلى أن الناخبين العمانيين غالبيتهم من جيل الشباب الخارج عن عباءة السلطة التقليدية لشيوخ القبائل». ويعدد السليمي نجاحاته، فقد أصبح عضواً في المكتب الرئيسي لمجلس الشورى ويمثله في اجتماعات على مستويات دولية. واللافت في أمره أنه لا يزال موظفاً في شركة النفط فيمضي نهاره في مكتبه في الشركة، إلا خلال دورات المجلس، والمساء يخصصه لنشاطه الاجتماعي والتواصل مع الناس ورعاية الاحتفالات الرياضية والثقافية داخل ولايته. ويذكر كيف استغرب طلاب إحدى المدارس الذين ذهب لمحاورتهم كعضو في مجلس الشورى ممثلاً للولاية لكونه يحمل جهاز لابتوب ويقدم محاضرته عبر «البروجكتر». وعن مقولة أن الحكومات المتعاقبة لا تشجع على المشاركة السياسية الشبابية ضحك السليمي وقال:» في عمان نعاني من الناخب واختياراته، وعندما يصل شخص غير مؤهل إلى مجلس الشورى فإن الخطأ يكون في خيار الناخب الذي لم يراع سوى علاقات معينة». ويرى أن مشكلة بعض المرشحين هي أنهم يتذكرون الناخبين قبل الانتخابات فيحاولون استمالة الأصوات إليهم، بينما لم يكونوا معروفين قبل ذلك عبر أي نشاط، وهذا ما جعل من المرأة العمانية ترسب في آخر انتخابات كون غالبية المرشحات بعيدات من العمل الاجتماعي الذي يساعد الناخبين في التعرف اليهن والوثوق بقدراتهن.