اعتبر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو تقرير بعثة تقصي الحقائق التي أرسلتها الجامعة العربية إلى غزة للتحقيق في الانتهاكات الإسرائيلية خلال العدوان على القطاع، «مهماً جداً». وأشاد بمهنية التقرير الذي أرسلت إليه الجامعة نسخة عنه، مؤكداً أنه ينتظر تقريراً قانونياً من السلطة الفلسطينية، للبت في طلب التحقيق الذي قدمته إليه للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية، وتحديد ما إذا كانت القضية تدخل في نطاق صلاحياته. وأعرب في مقابلة مع «الحياة» عن ثقته بأن الرئيس السوداني عمر البشير «سيواجه العدالة بصورة أو بأخرى»، لكنه رأى أن «الكرة الآن في ملعب مجلس الأمن»، بعد إصدار المحكمة الدولية مذكرة توقيف بحق البشير. وأكد أنه سيصدر مذكرات توقيف بحق متمردين سودانيين ارتكبوا جرائم ضد قوات حفظ السلام في دارفور. وهنا نص الحديث: تلقيت من الجامعة العربية تقرير لجنة تقصي الحقائق في غزة وطلباً للتحقيق، فهل ستفعل ومتى؟ - تقرير جامعة الدول العربية مهم جداً. قبل أن أقوم بالتحقيق، يجب أن أحلل إن كانت هناك جرائم تدخل في نطاق عملي في غزة. يجب أن أحلل نطاق اختصاص القضاء في فلسطين. والمسألة هي: هل في استطاعة السلطة الفلسطينية الوطنية أن تخضع لهذه السلطة القضائية بموجب نظام اتفاق روما (الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية) أم لا؟ هذه هي المسألة المهمة، فالمدعي العام في ألمانيا مثلاً لا يحق له أن يذهب إلى الإدعاء في فرنسا أو مصر، لأن المسألة مسألة اختصاص القضاء. والمشكلة في وضع السلطة الفلسطينية القانوني هو أنها تقول: نحن لنا الحق والصلاحية القانونية لأن إسرائيل انسحبت (من غزة) وحركة «حماس» لم تتحد كوننا نحن السلطة الوطنية، وعليه نحن الدولة طبقاً لمادة في مواد الاتفاق. جاءوا إلى مكتبي وشرحوا هذا الأمر ووعدوني بالعودة إليّ بتقرير عن هذا الجانب. متى تتوقع التقرير؟ - أعرف أنهم يعملون على هذه المسألة. وأود الاطلاع على هذا التقرير عندما يصبح جاهزاً، كما أنني اعتبر لجنة الجامعة العربية مهمة جداً لأنها تضم أفراداً مرموقين، وإضافة إلى هذا يقود ريتشارد غولدستين تحقيقاً للأمم المتحدة (مجلس حقوق الإنسان) في غزة. هذا كله يشكل لي مواد مهمة جداً. لكن طُلب منك قبل شهور أن تقوم بالتحقيق، علماً بأن لك حق وصلاحية المبادرة إلى التحقيق بصفتك المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية. ما الذي أوقفك عن ذلك في غزة؟ البعض يتهمك بأنك متحامل. لماذا لم تتحرك؟ - كما شرحت، فإن النقطة الأولى تتعلق بالصلاحية القضائية. وأنا في انتظار تقرير السلطة الفلسطينية. المسألة بالغة الأهمية، إذ أن أي مدع عام لا يمكن له أن يتحرك ويتصرف ما لم يكن يتمتع بالصلاحية القضائية ويكون الأمر من اختصاصه. لكن هناك أربع وسائل للتحقيق: بطلب من مجلس الأمن، بطلب من حكومة دولة تنتمي إلى اتفاق روما موقعة طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية، بطلب من السلطة الفلسطينية إذا شرحت هذه الصلاحية، ورابعاً، أنت قادر باعتبارك المدعي العام على التحقيق بمبادرة منك، أليس كذلك؟ - نعم. لكن يجب أن تكون الدولة المعنية طرفاً في المحكمة كي تحق لي المبادرة إلى التحقيق. فلسطين ليست طرفاً في المحكمة الجنائية الدولية، لذلك هناك أهمية كبيرة لما سيصدر عن السلطة الفلسطينية. عليّ أن أحلل وأقوّم ماذا في القانون، فلا يمكن لي أن اتعدى القانون. أفهم أهمية توجه السلطة الفلسطينية إلى المحكمة الجنائية طالبة العدالة، ولقد وعدت بأمرين: الحياد، واحترام القانون، وهذا ما سأقوم به. ما هو الإطار الزمني الذي نتحدث عنه؟ - عندما أكون جاهزاً. متى؟ اعطنا إطاراً زمنياً. فتعبير «عندما أكون جاهزاً» يترك الباب مفتوحاً لسنوات وسنوات؟ - حالما أصبح جاهزاً، سأقوم بما عليّ. هل نتحدث عن شهور، سنوات؟ - يعتمد الأمر على التقرير الذي سأتسلمه. يجب أن أتسلم المعلومات قبل أن أبدأ التحقيق. يجب أن أتسلم ما احتاجه، تحديداً في نطاق الصلاحية القانونية وما إذا كان الأمر من اختصاصي. ما هو ردك على من يرون أن أوكامبو يتحمس لمحاكمة الأفارقة لكنه ليس جاهزاً عندما يتعلق الأمر بالتحقيق في الفظائع الإسرائيلية في غزة؟ - ليقولوا ما يشاءون... لقد هطلت الانتقادات عليّ على مدى سنتين بتهمة أنني لم أفعل شيئاً إزاء دارفور فيما كنت في الواقع أجمع الأدلة والاثباتات. وطوال سنتين أيضاً كنت أحلل قضية فنزويلا... وغير ذلك من الأمثلة. ردي هو: أنني في حاجة إلى وقت لأجمع الأدلة ولأكون متأكداً من القانون. فالمحكمة مؤسسة نبنيها منذ قرون. ولذلك يجب أن يكون أساسها قوياً. إذن أنت تقوم بجمع الأدلة؟ - لا. لا أجمع الأدلة، لأنني لم أبدأ التحقيق، لكنني أجمع المعلومات. ذكرت سابقاً ريتشارد غولدستين؟ - نعم. ريتشارد غولدستين هو من يجمع الأدلة. هل ستستفيد من الأدلة التي يجمعها هو؟ - بالتأكيد. وتلقينا أيضاً تقرير جامعة الدول العربية، وهو مهم جداً لأنهم قاموا بجمع الأدلة. لماذا تعتبر تقرير جامعة الدول العربية بهذه الأهمية؟ - لأن تشكيل وتنظيم هذه اللجنة الرفيعة المستوى لجمع الأدلة بصورة مهنية لتقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية أمر مهم. واعتقد أن التحرك وتقديم هذا التقرير المفصّل أمر مهم جداً. الجامعة العربية احتضنت الرئيس السوداني في القمة العربية في الدوحة. هل كنت مستاءً من ذلك؟ هل اعتبرته تحدياً لقرار المحكمة؟ - نعم. المحكمة الجنائية أصدرت قراراً باعتقاله. وكيف ترى طلب الجامعة منك التحقيق في غزة بعدما ضربت بقرار توقيف البشير عرض الحائط؟ - ولايتي هي العدالة. أنا لا أحكم على قرارات الآخرين. أحكم على الجرائم التي ارتكبت. لماذا تمدح جهود الجامعة العربية الآن؟ ماذا يحصل؟ - الجامعة بذلت جهوداً كبيرة لإقناع السودان بتطبيق القوانين الداخلية وإجراء محاكمات محلية، لكن جهودها باءت بالفشل ولم تتم محاكمة واحدة، بل عُذب من ظنوا أنهم يقدمون إليّ الأدلة. أنا متأكد أن الجامعة العربية مُحبطة، وهي قامت بجهد كبير، إنما من هو الطرف المحبط بالدرجة الأولى أكثر من غيره؟ إنهم الضحايا المشردون في المخيمات. أنا أعمل لهم، فهم الذين خسروا منازلهم وعائلاتهم وتعرضت نساؤهم إلى الاغتصاب. خسروا كل شيء، وهم يعيشون في قهر وفي ظروف رهيبة لسنوات عدة. هم الذين يجب علينا أن نفكر بهم. هل سيفلت البشير من القرار بسبب انحسار الاهتمام الدولي؟ - انظري إلى ما حدث للرئيس البشير عندما تم ابلاغه بعدم السماح له بزيارة جنوب أفريقيا. إنه سيواجه العدالة، وها هو اليوم يدلي بأحاديث تلفزيونية ليقول إنه بريء من التهمة. حسناً. تعال إلى المحكمة لتقول إنك بريء. أنا في انتظارك، وجميع حقوقك محفوظة. هناك انطباع بأن العالم غير جاهز لدعمك في مسألة دارفور والبشير، ما رأيك؟ - جنوب أفريقيا كانت واضحة. اكتفت بالقول: ليس مرحباً بك عندنا، لا أكثر. - قالوا له إذا جئت علينا أن نطبق القانون. الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا رفض الجلوس معه على طاولة عشاء. رئيسة الأرجنتين كريستينا كيرشنر تركت القاعة عندما اعتلى الرئيس البشير المنصة للتحدث. هناك رؤساء دول وحكومات عدة يرسلون إلى السيد البشير رسالة فحواها أنه ليس زميلاً بمستواهم. لكن ليس بين هؤلاء قيادات عربية؟ - عندما يتعلق الأمر بالعرب، تصبح المسألة مختلفة. إنهم كالعائلة. وعندما يرتكب أخ جريمة، لا يُواجه بهجمات عليه لأنه أخ. إنما الجميع يعرف من هو هذا الأخ حقاً. هل ما زلت مقتعناً بأن العدالة ستأخذ مجراها في هذا الصدد؟ - حتماً. بكل تأكيد. كيف؟ بأي شكل؟ هل تعني أنه سيأتي إلى المحكمة أو أن أحداً سيقوم بتسليمه؟ - سيُلقى القبض عليه يوماً ما، وسيواجه العدالة. هذا ما حصل لجميعهم. هذا ما حدث للرئيس الليبيري تشارلز تايلور والصربي سلوبودان ميلوسوفيتش والتشيلي أوغستو بينوشيه. حدث في بلدي، حدث مع نيكسون في الولاياتالمتحدة، وفي البرازيل، حدث للجميع. كان هؤلاء جميعاً رؤساء في السلطة، وإما تم اعتقالهم أو اقتلاعهم من السلطة. هل تعتقد بأن إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تراجعت عن تعهداتها التي روجّت لها أثناء الحملة الانتخابية في ما يخص دارفور وعدم الإفلات من العقاب؟ - اسأليهم. لا رأي لي في ذلك، ولن أعرب عن رأيي تجاههم. لماذا؟ لمَ لا؟ - لا أعبر عن رأيي تجاه سياسات الدول. ماذا عن مجلس الأمن، هل تعتقد بأنك تلقيت الدعم الذي سعيت وراءه من أعضاء المجلس الذي كلفك أساساً بالمهمة؟ - في حزيران (يونيو) 2008، أصدر مجلس الأمن بالإجماع بياناً رئاسياً دعم ما تقوم به المحكمة الجنائية، وهذا يكفينا. نحن نقترب من حزيران 2009، فهل ما زال الدعم موجوداً وكافياً؟ - سنرى. سنتوجه إلى مجلس الأمن بتقريرنا الشهر المقبل. ماذا ستطلب من مجلس الأمن؟ تعرف أين هي الأمور الآن، فماذا هو هدفك؟ - سنركز الشهر المقبل على عدم تعاون السودان. هذه مشكلة مجلس الأمن وليست مشكلتي. فالمحكمة قامت بمهماتها القضائية، وعلى مجلس الأمن أن يفرض التنفيذ. وستصدر المحكمة الجنائية مواقفها في شأن هجمات المتمردين على مواقع قوات حفظ السلام. هل ستطلب اعتقال هؤلاء المتمردين أم استدعاءهم؟ - مذكرة استدعاء. لماذا تكتفي بمذكرة استدعاء للمتمردين وتصر على قرار اعتقال الرئيس السوداني؟ - أصدرت مذكرة استدعاء بحق كل من (وزير الشؤون الإنسانية السوداني) أحمد هارون و (القيادي في «قوات الدفاع الشعبي») علي كوشيب، لكنهما تجاهلا الطلب. الأمر يعتمد على ردود الفعل. المتمردون أعربوا عن التزامهم بالمثول أمام القضاء، لذلك اكتفيت الآن بمذكرة استدعاء. إذن، من وجهة نظرك، أن الكرة الآن هي في ملعب مجلس الأمن؟ - بكل تأكيد. قطعاً وتماماً. للقيام بماذا؟ - لضمان احترام قرارات مجلس الأمن. هل أنت على ثقة بأن الأسرة الدولية ستدعمك في سعيك وراء البشير؟ - المسألة ليست شخصية. المسألة لا تتعلق بي شخصياً. هذا قرار لمجلس الأمن طلب فيه من المحكمة الجنائية الدولية التحقيق في الجرائم التي ارتكبت. الآن أصدر قضاة المحكمة قرار اعتقال، والمسألة مؤسساتية وليست شخصية. وفكرّي معي في التالي: لماذا لا تتقاتل ولاية ماساتشوسيتس مع ولاية ألاباما في الولاياتالمتحدة؟ لماذا من المستحيل التفكير بحرب بين فرنساوألمانيا؟ السبب هو أن في الحالين هناك مؤسسات. السلام الدائم يتطلب مؤسسة. وهذه هي أهمية اتفاق روما. المحكمة الجنائية الدولية مؤسسة ستساعد العالم على الانتقال من جرائم رهيبة إلى سلام دائم.