هل يجب أن تترك للأهل الحرية المطلقة في تربية أطفالهم بالطريقة التي يرونها مناسبة، ومتى يحق للدولة أن تتدخل في كيف يربّي الأب ابنه؟ هذان السؤالان كانا محور جدل واسع في بريطانيا في الآونة الأخيرة على خلفية الطريقة التي ينتهجها الزوجان أوليفر وغيليان شكونروك، اللذان يقطنان ضاحية داليتش (جنوبلندن)، في تربية طفليهما. أوليفر وغيليان زوجان ميسوران بلا شك. فهما يرسلان ابنيهما إلى مدرسة خاصة قسطها السنوي للتلميذ الواحد 12 ألف جنيه استرليني (الجنيه يساوي 1.48 دولار). تحوّلا فجأة، قبل أيام، إلى محور جدل صاخب في الأوساط الإعلامية والسياسية لأن مدرسة ابنيهما لم تعجبها طريقة تربيتهما، فاستدعت الوالدين وهددتهما بأن عليهما تغيير الطريقة التي يتبعانها مع ولديهما وإلا فإنها ستشكوهما إلى مؤسسات الرعاية الاجتماعية التي يمكنها - في الحالات القصوى - أن «تنقذ» الأطفال بإبعادهم عن ذويهم «السيئين». تهمة المدرسة إلى الوالدين ليس أنهما يضربان الطفلين، أو أنهما لا يعتنيان بتحصليهما العلمي، ولا حتى بتركهما متسخين وبلا غداء. التهمة هي أنهما يسمحان لطفليهما - البالغين من العمر ثماني سنوات وخمس سنوات – بامتطاء دراجتين هوائيتين للذهاب إلى المدرسة في الصباح والعودة إلى المنزل بعد الظهر. والمشكلة لا تكمن في مجرد السماح للطفلين بقيادة الدراجة، بل في السماح لهما بالذهاب بمفردهما، ومن دون إشراف من أشخاص بالغين طول المسافة التي تفصل بين المدرسة والبيت والبالغة ميلاً واحداً. جادل الوالدان بأنهما يريدان زرع الثقة في نفسي طفليهما منذ صغرهما. قال الوالد أوليفر: «أردنا أن نمنحهما نوعاً من الحرية التي كنا نحن تمتعنا بها في طفولتنا، كأي شخص آخر في سننا. قضينا كثيراً من الوقت مع أصدقائنا، نلعب في الشوارع وفي الحدائق العامة من دون إشراف من الأهل ومن دون أن يشعر أهلنا بخوف بلا داعٍ». وشرح أوليفر وزوجته أنهما لم يسمحا للطفلين بقيادة دراجتيهما بمفردهما سوى بعدما تأكدا من سلامة الطريق التي سيسلكانها إلى المدرسة، كونها لا تتضمن سوى عبور الطريق من جانب إلى آخر مرة واحدة فقط، تتم من خلال اللجوء إلى مساعدة من الأهل الذين يسيرون مع أولادهم إلى المدرسة أو من خلال موظفة في البلدية وظيفتها الوقوف قرب المدارس وتأمين سلامة السير عندما يعبر التلاميذ الأولاد الطريق. لكن مأخذ إدارة المدرسة ينطلق من أن المسؤولية تقع عليها، وفق قواعد وزارة الأطفال والمدارس والعائلات، كي تحدد هل ان أحداً من تلامذتها يسلك وسيلة خطرة للوصول إلى حرمها أو للرحيل منها. وبما أن اثنين من تلامذتها – هما ابنا أوليفر وغيليان – يأتيان وحدهما بدراجتيهما وبلا مرافقة من الأهل، رأت المدرسة أنها تريد رفع المسؤولية عن كاهلها في حال حصل لهما مكروه، فاستدعت الوالدين وأنذرتهما بضرورة مرافقة طفليهما الى المدرسة – ذهاباً وإياباً - وإلا وجدت نفسها مضطرة إلى إبلاغ سلطات الرعاية الاجتماعية في المجلس البلدي. لكن قضية عائلة شكونروك تحوّلت فجأة إلى محور جدل في بريطانيا بين مؤيد لمنح الوالدين الحرية لطفيلهما وبين مؤيد لتدخل الدولة لحماية الطفلين من «استهتار» الأبوين بحياتهما. بوريس جونسون، عمدة لندن، كان أول من تدخل في القضية، معلناً بالفم الملآن تأييده الوالدين. فهما في نظره يؤكدان أن «شوارع لندن آمنة» للأطفال، معلناً فخره بالوالدين اللذين يؤكدان أنه «ما زال هناك في بريطانيا الحديثة مقاتلون من أجل الحرية، مستعدون أن يقاوموا تدخل الدولة (في الشؤون الخاصة للأفراد)». وقال، في مقالة نشرها في صحيفة «التلغراف» وعلى موقعه الشخصي، إنه فكّر في منح الوالدين ميدالية بسبب طريقة تصرفهما، ووصفهما بأنهما «بطلان»، قائلاً إنهما «استلا سيف المنطق السليم» في شأن قواعد السلامة وإنهما «من أجل هذه المخالفة تضطهدهما السلطات». وأعلن تأييده أن يُترك للوالدين حرية تقرير هل هناك خطر على ابنيهما في سلوك الطريق إلى المدرسة. لكن آخرين أخذوا بالطبع موقفاً مختلفاً تماماً لموقف جونسون. أوليفر جيمس، المحلل النفسي للأطفال وصاحب كتاب يتناول كيف يمكن الأهل ألّا «يُخرّبوا» حياة أطفالهم، يقول: «إنني آخذ موقفاً جريئاً (في مجال منح الحرية) عندما يتعلق الأمر بابني البالغ خمس سنوات... لكنني لن أسمح له بأن يقود الدراجة بمفرده. أعتقد أن ذلك شيء غريب. يحب أن يتم منع ذلك في الحقيقة، ولكنني لا أستطيع أن أحدد العمر الذي يجب أن يتم فيه ذلك». ويلفت جيمس في صحيفة «الغارديان» إلى أن الخطر على الأطفال الذين يقودون الدراجة بمفردهم قد لا يكون مرتبطاً بإمكان خطفهم على يد منحرفين جنسياً، بقدر ما يمكن أن يكون مرتبطاً بقيام أطفال آخرين - عصابات أطفال - بالاعتداء عليهم بسكاكين أو آلات حادة. أما جستين روبرتس التي تُشرف على موقع على الانترنت يُدعى «شبكة الأم» (مَمْز نت)، فتقول إنها تخشى أكثر ما تخشى على الأطفال من السيارات العابرة على الطرقات. ولكنها تضيف: «شخصياً، لا أسمح لابني البالغ أربع سنوات بأن يقود الدراجة إلى المدرسة حتى ولو كنت أربطه بيدي. لكن الأطفال مختلفون، وفي النهاية يجب أن يتم الوثوق بحكمة الأهل». ويبقى السؤال: متى يمكن أن يترك الأهل للطفل أن يقود الدراجة الهوائية بمفرده؟ للأهل الذين يخشون ما يمكن أن يحصل لطفلهم، قد يكون الجواب أبداً، ولآخرين، قد يكون ذلك في سن التاسعة أو العاشرة. أوليفر وغيليان مصممان على ترك طفلهما يركب دراجته بمفرده وهو في الخامسة. فماذا عن القراء؟