23% نمو القروض الاستثمارية للثروة الحيوانية    11 مليون عقد عمل موثق عبر منصة قوى    الرياض وواشنطن مرحلة جديدة بعنوان الشراكة الإستراتيجية    خطة من 28 نقطة لإنهاء الحرب الروسية الأوكرانية    الرئيس اللبناني: حصر السلاح بيد الدولة "حتمي"    للفترة الثانية .. "الرياضة" تعلن نطاق شهادة الكفاءة لأندية "روشن"و"يلو" لموسم 2025-2026    الأحمدي يكتب..جماهير الوحدة تُعيد ماضيها!    إنزاغي: افتقدنا اليوم 6 عناصر أساسية رغم ذلك حققنا الفوز    القبض على 10 إثيوبيين لتهريبهم (180) كجم "قات" في عسير    سر زلازل سانتوريني يكشف أخيرا    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة عمان بمناسبة اليوم الوطني    الأسهم العالمية.. أسبوع مضطرب مع ارتفاع الأسواق الأميركية وانخفاض الأوروبية    المملكة وقراءة المستقبل    القيادة تهنئ رئيس لبنان بذكرى استقلال بلاده    منصة X تطيح بأقنعة الحسابات المعادية وتكشف مواقعها الحقيقية    الاحتلال يُصعِّد خروقاته وقف إطلاق النار في غزة    الباحثة والصحفية السعودية سجى علي عارف تحصل على درجة الدكتوراه    «خير المملكة».. يتواصل    السعودية تسهم في إدراج 16 عنصراً تراثياً لليونسكو    جامعة الجوف تحتفي باليوم العالمي للطلاب الدوليين    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالخرج ينقذ ستينيًّا عانى من مضاعفات "غرغرينا" نادرة    شفط الدهون يتصدر اهتمامات الرجال    لينة التاريخية تتوشح بالأعشاب الموسمية والشجيرات    الرياض واشنطن عنوان العالم    وزير الخارجية يلتقي رئيس وزراء فيتنام    تعادل محبط    شاحن الصحة النفسية    بدء طرح تذاكر كأس آسيا تحت 23 عامًا "2026 السعودية"    الموروث ضرورات التجديد وتحديات التشويه    الملك وولي العهد يعزيان ملك البحرين في وفاة الشيخ إبراهيم بن حمد آل خليفة    السرقة تحت غطاء المقدس    الاتفاق يكسب الفيحاء بثلاثية في دوري روشن للمحترفين    سعودة المسلسلات الأجنبية.. خطر ناعم يخترق الأسر السعودية    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    السجل العقاري يطوّر البنية الوطنية لترميز الأصول وتمكين الملكية الجزئية    صحراء مليحة بالشارقة تشهد انطلاق النسخة الثانية لمهرجان تنوير بأمسية فنية موسيقية وتجربة إنسانية ملهمة    طبيب أردني: "الذكاء الاصطناعي" قد يحل أزمة نقص الكوادر في العلاج الإشعاعي    كتاب التوحد في الوطن العربي.. قراءة علمية للواقع ورؤية للمستقبل    أمانة الطائف تطلق مبادرة (شاعر الأمانة) تشجيعًا للمواهب الإبداعية في بيئة العمل    افتتاح جامع المجدوعي بالعاصمة المقدسة    انطلاق النسخة الأكبر لاحتفال الفنون الضوئية في العالم    نائب أمير الرياض يرعى احتفال السفارة العمانية بيومها الوطني    عيسى عشي نائبا لرئيس اللجنة السياحية بغرفة ينبع    أكثر من 100 الف زائر لفعاليات مؤتمر ومعرض التوحد الدولي الثاني بالظهران    الشيخ صلاح البدير: الموت محتوم والتوبة باب مفتوح لا يغلق    الشيخ فيصل غزاوي: الدنيا دار اختبار والصبر طريق النصر والفرج    نادية خوندنة تتحدث عن ترجمة القصص الحجرة الخضراء بأدبي جازان    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    المودة تطلق حملة "اسمعني تفهمني" بمناسبة اليوم العالمي للطفل        أمير تبوك يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة نجاح الزيارة التاريخية لسمو ولي العهد للولايات المتحدة الأمريكية    بيان سعودي أميركي مشترك: وقعنا شراكات في جميع المجالا    أمير تبوك يكرم شقيقين لأمانتهم ويقدم لهم مكافأة مجزية    انطلاق النسخة ال9 من منتدى مسك.. البدر: تحويل أفكار الشباب إلى مبادرات واقعية    ثمن جهودهم خلال فترة عملهم.. وزير الداخلية: المتقاعدون عززوا أمن الوطن وسلامة المواطنين والمقيمين    فلسطين تبلغ الأمم المتحدة باستمرار الانتهاكات الإسرائيلية    أمير الرياض يستقبل سفير المملكة المتحدة    استقبل وزير الحج ونائبه.. المفتي: القيادة حريصة على تيسير النسك لقاصدي الحرمين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الآخر في الثقافة العربية
نشر في الحياة يوم 24 - 07 - 2010

صورة الآخر، في ثقافة ما، هي نتاج لمعايير معرفة وقيمة لهذه الثقافة، وحصيلة للفارق الدال بين واقعتين ثقافيتين، تخضع علاقتهما لشروط تاريخية ملموسة، من الصدام، والتنافس، والاقتباس. فهي تجسد، عبر تمثلاتها المعقدة، الواقع، والموقف من ثقافة الغير، وتمكن - في النهاية - الفرد و الجماعة من كشف وترجمة الفضاء الثقافي، وتحمل مزيجاً من الأفكار والمشاعر، والمواقف والدلالات الرمزية، وأحكام القيمة التي تتبلور على صعيد الممارسة في شكل تدخلات، واحتكاكات، وتنافس، واقتباس، في حالة التدافع والسلم. وفي هذا السياق يسعى حسين العودات في كتابه «الآخر في الثقافة العربية» (دار الساقي، 2010) الى استجلاء صورة الآخر في الخيال العربي منذ ما قبل الإسلام وصولاً إلى القرن العشرين، ولا شك في أن هذه الفترة المديدة تستدعي مسحاً عاماً لتلك الصورة المعقدة، خصوصاً أن الآخر متغير بتغير الأحوال والعصور، من خلال عرض صورة الشعوب الأخرى والديانات الأخرى، كما رآها العرب خلال أربعة عشر قرناً، وكما ارتسمت في ثقافتهم، ودخلت وجدانهم، وأثرت في مواقفهم السياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية تجاه هذه الشعوب، وتبيان كيفية تأثرهم بها وأثرهم فيها.
ويحاول حسين العودات في كتابه الإحاطة برؤية العرب للشعوب الأخرى منذ القرن السادس الميلادي حتى القرن العشرين، أي منذ أن كان العرب قبائل في جزيرتهم التي كان محيطها هو محيط عالمهم، وفضاؤها فضاء العالم بالنسبة إليهم، إلى أن تسنى لهم إشادة إمبراطورية واسعة، امتدت من الهند إلى شمال إفريقيا وجنوب غرب أوروبا، ودانت لها عشرات الشعوب والأديان في آسيا وإفريقيا وأوروبا أيضاً. وعرض مرجعية مواقفهم من الآخر، وتغير هذه المواقف تجاه الشعوب والأديان والمرحلة التاريخية، ومصالح الطبقة الحاكمة، وما رافق ذلك وتلاه من خلافات وصراعات. ويعتبر أن شعوب الفرس والروم البيزنطيين والأحباش كانت تمثل الآخر الإثني بالنسبة إلى القبائل العربية، وكانت الديانتان اليهودية والمسيحية (وبدرجة أقل المجوسية والصابئية) هي الآخر الديني، ولم تكن القبائل العربية بالإجمال تعرف معرفة جيدة وشاملة غير هذه الشعوب وهذه الديانات، ولذلك كانت نظرتها إليها نظرة الأدنى إلى الأعلى بالنسبة إلى الشعوب، ونظرة الإعجاب بالنسبة إلى الديانات.
وقد حمل الإسلام معه فلسفة جديدة، وفرض قيماً وتقاليد وأنماط سلوك جديدة، فساوى بين البشر من اي إثنية كانوا، أي من أي لون أو جنس أو ثقافة، وأكد المساواة المطلقة والعدل، وأتى بمرجعيات جديدة، وكان ودياً، في الغالب الأعم، مع أهل الكتاب، فنظم العلاقة معهم. وما إن بدأت الفتوحات وقامت الدولة الأموية حتى تغيرت المفاهيم والنظرة إلى الآخر، الإثني والديني. ولم تتشكل صورة الآخر في الثقافة العربية صدفة أو عرضاً أو في وقت قصير، فقد أسهم الرحالة العرب والجغرافيون والمؤرخون والتجار في تكوينها، كما أسهم التواصل التجاري والاقتصادي والاجتماعي والحروب وغيرها في رسم هذه الصورة وتثبيتها. ولا شك في أن التواصل الثقافي والحضاري و السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تحقق بين العرب والشعوب الأخرى، أنتج تأثيراً متبادلاً، كما كان له دور كبير في تكوين الثقافة العربية والإسلامية وثقافات الشعوب الأخرى. وفي الحالات كلها كانت المرجعية الإسلامية هي المقياس الذي تقاس بموجبه النظرة إلى الشعوب الأخرى، والديانات الأخرى، كما كانت تعاليم الإسلام وسلوك المسلمين هما النافذة التي رأى العرب من خلالها تلك الشعوب.
ويرى العودات أن نظرة العرب إلى شعوب الهند والصين، كانت نظرة عادلة نسبياً، لأنهم كانوا يعرفون هذه الشعوب، جزئياً، من قبل، وهي لم تحاربهم أو تتصدى لهم، أما الترك والخزر والصقالبة والجلالقة وشعوب أوروبا الشرقية (شمال اليونان والرومان) فقد كانوا يرونهم شعوباً همجية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شعوب أفريقيا السوداء (شعوب النوبة وغرب أفريقيا) والزنجية (شعوب وسط أفريقيا)، فكانوا يستغربون ويستنكرون عادات وتقاليد هذه الشعوب. وقد نسج الرحالة والتجار والمؤرخون الحكايات والخرافات حول واقع هذه الشعوب وعاداتها، بل حول تكوينها الجسمي، وقدموا صورة عنها لم تكن دائماً حقيقية.
وعلى رغم أن الآخر بدأ يصبح أوروبياً منذ الحروب الصليبية، ثم انفرد بهذه الصفة بعد الغزوات الاستعمارية الأوروبية التالية للثورة الصناعية، فإن الموقف من هذا الآخر كان متناقضاً على العموم في الوجدان العربي والثقافة العربية، فمن جهة كان رواد «النهضة العربية» معجبين بالتطور الأوروبي والحضارة الأوروبية وبناء الدولة الحديثة ومعاييرها، ولا سيما منها الحرية والديموقراطية والمساواة والعدالة وفصل السلطات وغيرها، فضلاً عن التطور العلمي والصناعي والزراعي والعسكري، لكنهم، من جهة أخرى، كانوا يرون أن هذا الآخر الأوروبي عدو يطمع في استثمار البلاد والسيطرة عليها ونهب ثرواتها، وبالتالي هو خطر على أمنها ووجودها. إلا أنه في الوقت نفسه رأت شريحة كبيرة من النهضويين العرب بإمكانية التثاقف مع أوروبا، والاستفادة منها ومن تطورها.
ويلاحظ العودات أن مفهوم الآخر تطور، سلباً وإيجاباً، تطوراً كبيراً في الوجدان العربي منذ ما قبل الإسلام حتى عصر النهضة العربية في القرن التاسع عشر، وتأثر هذا التطور باتساع الدولة العربية الإسلامية، وامتداد هيمنتها وسيادتها على أراض جديدة وشعوب جديدة في كل مرحلة تاريخية، خلال القرون الهجرية الثلاثة الأولى خاصة، ثم مع تراجعها وضعفها وانحطاطها. وفي ضوء ذلك كان الأخر في فجر الإسلام محدوداً ومعدوداً، سواء الآخر الديني والآخر أو الآخر الإثني، لكنه أصبح عديداً واسعاً، حيث كان الآخر على المستوى الديني هو اليهودي والمسيحي، وفي المجال الإثني الآخر الحبشي والفارسي والبيزنطي، فأصبح بعد الإسلام أتباع ديانات عديدة جديدة، كالبوذية والبراهيمية والديانات الهندية والصينية والديانات الإفريقية. وأما في النطاق الإثني فتواصل العرب المسلمون مع شعوب جديدة، آسيوية وأوروبية، وصينية وهندية وتركية وصقلبية وإفريقية، وكان من الطبيعي أن تتغير صورة الآخر في الثقافة العربية، بحسب الظروف والشروط المحيطة. وكان المعيار القبلي هو المعيار الرئيسي الذي يحدد مضمون صورة الآخر قبل ظهور الإسلام، ثم أضحى المقياس الديني هو المقياس، وأخذ هذا المعيار يتعدد ويتنوع بعد الفتوحات العربية الإسلامية، فطوراً يلعب الدور الأهم، وطوراً آخر يتخلى عن مهمته للمعيار الإثني، وطوراً ثالثاً تحدد المصالح من هو الآخر والموقف منه.
غير أن امتداد المرحلة التاريخية التي تناولها الكتاب لم يتح المجال للتعمق أكثر في كل مرحلة، وتبيان الصورة عن الآخر بشكل أكثر عمقاً واتساعاً، لكن العودات تمكن من تقديم صورة عامة ممتدة، وتحديد ملامحها، والمرور على أسباب تكونها وظروف هذا التكون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.