تؤكد وثائق عدة من بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال إن قوات الاتحاد قتلت فعلاً مئات الأشخاص في الأعوام القليلة الماضية، وإنها لم تعالج مسألة «القصف العشوائي» في العاصمة الصومالية، مقديشو، الأمر الذي يمكن أن يؤدي في النهاية إلى فقدان التعاطف الشعبي معها. وكانت «حركة الشباب المجاهدين» قد بررت هجومي كمبالا الأحد قبل الماضي بأن القوات الأوغندية المتمركزة في مقديشو ضمن بعثة الاتحاد الأفريقي «أميصوم» تقتل المدنيين في شكل شبه يومي. وأوضحت الحركة أنها نفّذت الهجومين - اللذين استهدفا مواطنين يتابعون نهائي كأس العالم في كرة القدم عبر شاشات التلفزيون في ناد ومقهى في العاصمة الأوغندية - ثأراً من الاعتداءات التي تقوم بها هذه القوات. كما هددت بمزيد من الهجمات ضد أوغندا وبوروندي - الدولة الوحيدة المساهمة في «أميصوم» إلى جانب أوغندا - إذا لم يسحب البلدان قواتهما من الصومال. واتهمت منظمات حقوقية وكثير من المواطنين في العاصمة الصومالية القوات الأفريقية مراراً أنها تلجأ إلى «القصف العشوائي» كلّما أطلقت الحركات الإسلامية قذائف هاون في اتجاه قصر الرئاسة أو في اتجاه مقرات انتشار الجنود الأفارقة في مقديشو. ونفت البعثة الأفريقية هذه الاتهامات، وقال الناطق باسمها باريغي باهوكو في تصريح إلى «الحياة»، أمس الأربعاء، إن «الإرهابيين هم الذي يشنون هجمات متهورة» ضد الحكومة والقوات الأفريقية. غير أن تقارير داخلية في البعثة الأفريقية تم الحصول عليها تؤكد أن قوات الاتحاد فشلت في معالجة مشكلة «القصف العشوائي»، على رغم أن لديها أخلاقيات الحفاظ على أرواح المدنيين، وأنها تسعى إلى تطبيق «معايير الإنسانية العالمية». ويقول تقرير أعده محللون للبعثة في شهر أيار (مايو) الماضي إن رد بعثة الاتحاد الأفريقي «لم يصل إلى درجة موقف حاسم»، مضيفاً: «إننا نعرب عن قلقنا تجاه أميصوم، وبخاصة في المقر الرئاسي، بأنها، ربما، لا تولي موضوع القصف العشوائي ضد المدنيين الاهتمام العاجل الذي تحتاج إليه». ويوضح التقرير المكتوب عليه «للاستعمال الداخلي» أن القصف العشوائي سيؤدي إلى أن تفقد القوة الأفريقية شعبيتها وسط الشعب الصومالي. ويقول تقرير آخر مماثل إن على البعثة «أن لا تقلل من أهمية معالجة هذا الموضوع المهم». وبحسب التقارير الداخلية التي تم الحصول عليها، فإن هيئتين من الأممالمتحدة طلبتا توضيحات في شأن القصف العشوائي، إلا أن البعثة الأفريقية لم توفّر رداً «رسمياً ولا غير رسمي» إلى هاتين الهيئتين. لكن باهوكو قال في رده على هذه الاتهامات الموجهة إلى القوات الأفريقية: «ليس صحيحاً أن نعزو الخسائر الجانبية، وبخاصة فقدان الأرواح في مقديشو، إلى «أميصوم». وليس صحيحاً أن نتهم «أميصوم» بالقصف غير المتكافئ والعشوائي. لأن فقدان حياة صومالي واحد هي خسارة غالية ومهمة بالنسبة إلى أميصوم». وأعترف باهوكو بأن هناك «عدداً كبيراً من المدنيين في مرمى النار. ولكن المسؤولية (في تهديد الحياة) تقع على الإرهابيين المخرّبين الذين يشنون هجمات متهورة» ضد الحكومة وقوات «أميصوم». وأضاف: «إن قواتنا تتحلى بحرفية عالية وضبط النفس في حالات الاستفزاز. إننا لسنا هنا لأذية أحد. إننا هنا للمساعدة والدفاع عن الصوماليين التواقين والراغبين في مستقبل أفضل». وكان باهوكو أطلق التصريحات نفسها في العام الماضي عندما اتهم المسؤول الصومالي، عبدالفتاح شاوي، الذي كان نائب محافظ مقديشو آنذاك، بعثة الاتحاد الأفريقي بقتل 18 من المدنيين في الثاني من شهر شباط (فبراير) عندما أستهدف لغم أرضي دورية للقوات الأفريقية في العاصمة. وأكد وزير الدولة لشؤون الدفاع السابق شيخ يوسف محمد سياد إندعادي صدق التقارير عن قصف القوات الأفريقية مواقع آهلة بالسكان وأسواق عامة، وبخاصة سوق بكارا، أكبر أسواق مقديشو. وقال سياد إندعادي ل «الحياة» إن «أميصوم ترتكب مجازر في مقديشو بإذن من الحكومة التي يرأسها (الرئيس) شيخ شريف شيخ أحمد ورئيس وزرائها عمر عبدالرشيد (شاراماركي)». وقال سياد إنه يتذكر مرة انطلقت أكثر من 60 قذيفة بين مدفع ثقيل ومدفع هاون في اتجاه المناطق الآهلة بالسكان وسوق بكارا رداً على ثلاث قذائف هاون فقط أُطلقت في اتجاه القصر الرئاسي. وقال سياد إنه كان مع الرئيس شريف أحمد في مكتبه في القصر الرئاسي في ذلك اليوم و «قلت للرئيس لماذا لم تأمرهم بإيقاف القصف. إلا أنه لم يجبني». وكان تقرير من منظمة «هيومان رايتس ووتش» في نيسان (أبريل) الماضي دان أطراف النزاع في الصومال واتهمها باستهداف المدنيين. واتهم التقرير بالتحديد القوات الأفريقية والحكومية بأنها في «بعض الأحيان» تطلق وابلاً من قذائف الهاون في اتجاه مصدر إطلاق النار عليها أو «بكل بساطة بقصف المناطق مثل سوق بكارا» الذي يُعتبر من معاقل القوات الإسلامية التي تسعى إلى إطاحة حكم الرئيس شريف أحمد. وأشرف رئيس الوزراء الصومالي أمس على تخريج عناصر من قوات الأمن في مقديشو.