بتوصيات وردية متفائلة بنظام إيكولوجي قوامه المواطنة والعدالة والديموقراطية، أنهى «المؤتمر العالمي للتعليم المتصل بالبيئة أعماله في مونتريال، والتي استمرت خمسة ايام بين 10 و14 أيار (مايو) الجاري، حفلت بالاجتماعات والمناقشات المستفيضة. ويأتي المؤتمر خامساً بعد ديربان (جنوب افريقيا) وتورينو (ايطاليا) وريو دي جينيرو (البرازيل) وإسبانهو (البرتغال). وحضر المؤتمر ما يزيد على 3 آلاف مندوب من دول مختلفة، بينهم ممثلون عن الحكومات والأمم المتحدة والمنظمات الدولية والأهلية والنقابات والأساتذة والطلاب الجامعيين وغيرهم من المعنيين بشؤون البيئة والتنمية المستدامة. ومن أشهر المدعوين الذين شاركوا فيه للمرة الأولى ريكاردو بيتريللا الأستاذ الجامعي في جامعة لوفان (بلجيكا) مؤسس «اللجنة العالمية من أجل عقد عالمي للمياه»، وستيفان لويس مدير مؤسسة «عالم بلا إيدز» أستاذ الصحة العالمية في جامعة «ماك ماستر» الكندية، والإرجنتينية أدريانا بويغروس النائبة والوزيرة الخبيرة في الثقافة الشعبية عن البيئة. وارتأت اللجنة المنظّمة ان تجرى المداولات فيه باللغات الفرنسية والإنكليزية والإسبانية مع ترجمة فورية، لأن «التنوع اللغوي يتقاطع مع التنوع البيولوجي»، بحسب تعبير لوسي سوفيه رئيسة اللجنة. صحتا الإنسان والبيئة عقد المؤتمر تحت شعار «لنحيا معاً، الأرض بيت الجميع». وضم جدول أعماله مروحة واسعة من المسائل الشائكة تنضوي تحت عنوان التربية البيئية وعلاقتها بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية والجمالية وغيرها. وتناول المؤتمر العلاقة بين الإيكولوجيا والاقتصاد. واستنفد هذا المحور كثيراً من الوقت. وغاص فيه المؤتمرون في شعاب البيئة ووهادها، مناقشين سبل التعامل مع الأرض وحمايتها من التغيّرات المناخية والتلوث، وكذلك الحؤول دون استنزاف مصادرها الطبيعية وإنهاك تربتها وتهديد تنوعها البيولوجي. ووصف فيليب ماركوس، وهو أحد المندوبين عن المنظمات الأهلية هذه الجلسة بأنها شهدت تبايناً عميقاً، اذ قارب البعض مشاكل البيئة من منظور توجيهي كان اقرب إلى الوعظ والخطاب البطريركي، في ما تناولها البعض الآخر من خلال رؤية نقدية علمية تحليلية جامعة تؤسس لقرارات عملانية قابلة للتنفيذ، بدل الاكتفاء بالتوصيات العابرة التي تسقط بمرور الزمن. وناقش المؤتمر الصحة البيئية التي بُحثت من منطلق العلاقة التكاملية والمتلازمة بين صحتي الأرض والإنسان، وضرورة التوازن بينهما بما يحفظ البيئة من عبث الإنسان المتمثّل في التلوث والانبعاثات السامة من جهة، ويوفر السلامة الصحية للأفراد والمجتمعات من خلال استخدام تقنيات حديثة وآليات متطورة تربط بين ثالوث التربية والصحة والبيئة، من الجهة الأخرى. وشملت مداولات المؤتمر موضوع التحديات الحضرية. ونوقشت من خلال دراسة قدمتها «منظمة الصحة العالمية» جاء فيها انه منذ بداية القرن الحادي والعشرين يعيش اكثر من نصف سكان الأرض في المدن، وأن الحياة الحضرية ما تزال تعاني من الانفجار السكاني وتمركزه مدنياً، كما تواجه بتحديات كبيرة اهمها تجديد البيئة العمرانية وتحديثها، وحلّ مشكلات البناء والسكن والمياه والصرف الصحي والطاقة والنفايات والنقل وغيرها. ودعت الدراسة الى مقاربة «إيكو – مدينية» تربط بين تصميم المدن ومعطيات الإيكولوجيا، كما تتوافر فيها نظم السلامة والأمن والخدمات والاستقرار. وناقش المؤتمر ادخال التربية البيئية في صميم المناهج التعليمية على مختلف مستوياتها، وتدريب المعلمين على استيعاب النظم الإيكولوجية وتقنياتها الحديثة، وتشجيع التخصص في علوم البيئة، وتخريج خبراء وقادة بيئيين قادرين على وضع الدراسات والتخطيط والاستراتيجات التي تتطلبها التنمية المستدامة. وأبدى المؤتمر إهتماماً بالتراث البيئي من منطلق ان تاريخ الأرض يرتبط منذ آلاف السنين بالبشر الذين عاشوا وخلفوا وراءهم حضارات وثقافات ونظماً زراعية ومباني بدائية ووسائط نقل وغيرها، ما يستوجب تعزيز متاحف التاريخ الطبيعي وحدائق الحيوان والنبات والمحميات الإيكولوجية. وفي هذا السياق، طرحت مقولة «الفن في خدمة الأرض» بمعنى توظيف الرسم والحرف والتصوير والسينما والأدب والمسرح والموسيقى للتعبير عن البعد الجمالي للكوكب. توصيات عن مستقبل البيئة تمخّض المؤتمر عن عدد من التوصيات أهمها التشديد على ان التربية البيئية ليست غاية في حد ذاتها وإنما وسيلة تعليمية وتثقيفية وإرشادية تُعطي الأرضية النظرية لأي نظام إيكولوجي يوازن بين أبعاد البيئية والاقتصاد والاجتماع والصحة. ودعت التوصيات الى تعزيز الوعي البيئي وتعميمه من خلال حملات اعلامية لمنظمات المجتمع المدني والهيئات الشبابية والنسائية. وحضت على توفير القدر الأكبر من العدالة الإيكولوجية بين دول الشمال والجنوب، وإلى ممارسة كل اشكال الضغط على بعض الحكومات لاستصدار تشريعات تتلاءم مع النظم البيئية المعاصرة وإلغاء ما يتعارض معها. وألحت على إجراء مسح بيئي شامل للبدان التي تشكو من اخطار التلوث وهدر التربة وسوء استغلال الموارد الطبيعية. وشجّعت تبادل الأفكار والخبرات والتجارب بين الدول الأعضاء وتقديم المساعدات الفنية لدول العالم الثالث. ونبّهت الى أهمية العمل على صنع المواطن البيئي ورعايته وتنشئته (في نطاق العائلة والمؤسسات التعليمية)، إضافة إلى تأهيله من خلال الدورات التدريبية الأمر الذي يمهد لإيجاد كوادر بيئية قادرة على التأثير او المشاركة في صنع القرات الحكومية والدولية. يشار إلى ان هذه القرارات مجرد توصيات غير ملزمة طغت عليها العموميات ما جعلها بنظر بعض المراقبين، أقرب إلى التمنيات والأحلام الوردية. وأشارت بعض الصحف الكندية إلى ان المؤتمر جاء أقرب إلى الحوار حول النظريات والمفاهيم الإيكولوجية، منه إلى مؤتمر يناقش مسائل محددة علمياً ويخرج بنتائج واقتراحات عملية قابلة للتطبيق. ويُذكر أن اليوم الأخير من المؤتمر خصص لسلسلة من النشاطات داخل قصر المؤتمرات وخارجه، تخللتها ندوات ومحاضرات تثقيفية وعروض لأفلام وثائقية على شاشات عملاقة وصور ورسوم لأطفال. وجاءت تلك الرسوم من 20 بلداً، تضمنت رؤية الأطفال الى مستقبل بيئي أفضل.