يُخشى، على الأقل ممن يعرفون ماهية صوت آمال ماهر الحقيقية، أن تستقر هذه المغنية الرائعة... في الماضي، وتحديداً في نتاج أم كلثوم الغنائي حيث براعتها الأبهى والأجمل، فتنسى، وينسى المولجون الاهتمام بها، ان صوتاً بهذا الحجم والغنى والتوهّج لا يجوز أن يقيم في الأغاني الخالدة، ولو كانت خالدة، بل ينبغي أن يكون له وصول الى الأغنية الجديدة، المعاصرة، «الشبابية»... من دون أن يقودنا ويقودها هذا الكلام الى الغرق في ما لا طائل تحته من غناء هذه الأيام. لقد عُرفت آمال ماهر بأداء أغاني أم كلثوم، وبإحياء الحفلات الكبرى التي تكرّمها كمغنية عربية هي الأكبر، في كل العالم العربي، وحتى في بعض الدول الغربية التي تحتضن جاليات عربية. ومستوى صوتها العالي القيمة، المترامي في مساحاته، يؤهلها لذلك، ويدعم حضورها في الحياة الغنائية العربية ككل، ويُثبت لها جمهوراً واسعاً جداً يتابعها، ويهتم بحفلاتها، ويُنصت إليها بتركيز بالغ، لكن كل ذلك لا يجوز أن يحاصر آمال ماهر حيث هي، بل في المعنى الأرقى، يفترض أن يحرِّضها على نُشدان أغانٍ خاصة، أغان لها هي، أغانٍ تبحث عنها لدى الشعراء والملحنين المعاصرين، كي تقدم هويتها الغنائية الخاصة، وشخصيتها المستقلة. كأنَّ ما حصل في حياة الممثلة المصرية صابرين عندما جسّدت دور أم كلثوم في مسلسل تلفزيوني طبقت شهرته الآفاق نجاحاً جماهيرياً وفنياً، فكادت صابرين بعده تعتزل الحياة الفنية برمّتها نظراً لخوفها من أعمال درامية أقل جودة... كأن هذا الذي حصل معها، بدأ يحصل مع آمال ماهر بطريقة أو بأخرى، والنجاح الذي تحصده في حفلاتها الغنائية المُشِعَّة نضارة وتألقاً وأداءً فاتناً، كأنما بدأ يزرع في نفسها خوفاً، وفي صوتها تردّداً، وفي حساباتها إحجاماً عن اقتحام الأغنية الخاصة على اعتبار أن هذه الأغاني ستكون حُكماً أقل في النوع. فإذا حصل ذلك، للأسف، فإن خسارة لا تعوَّض ستحصل في المقابل في حساب الأغنية العربية المعاصرة التي تتهم بأنها تعزّز المواهب الناقصة، وترفض المواهب المكتملة، وسيكون السبب كامناً في نفس آمال ماهر، لا في ما يدور على الساحة الغنائية، العربية فحسب. ذلك أن المواهب الكبيرة مدعوة لاجتراح مكان ومكانة بقوة الثبات والإصرار. وغير ذلك ليس إلاّ مضيعة للوقت وللإمكانات معاً... مهما يكن. واستغراقاً في مثال الممثلة صابرين، فإنها بعدما أعلنت الاعتزال لسنوات، عادت مجدداً الى الأعمال الدرامية وهي مقتنعة بأن اعتزالها أو قرار الاعتزال كان تعبيراً عن صدمة نجاح مسلسل «ام كلثوم» بطريقة استثنائية، في وقت كان ينبغي أن يؤثر النجاح إيجاباً لا سلباً... وآمال ماهر التي تعيش حالياً ربما صدمتيْن: صدمة نجاح صوتها باكتساب جمهور عريض، وصدمة اعتبار البعض لها وريثاً فنياً لأم كلثوم، قد تكون قررت اعتزال الغناء إلاّ... لأم كلثوم، ما سيضعها حتماً في خانة «محدودة» هي استعادة القديم بدلاً من أن تكون هذه الاستعادة الجمالية ذريعة أو باباً الى بناء استقلالية غنائية جديدة، خاصة بها، تستفيد من القديم الأصيل لوضع أساس يرتفع فوقه بناؤها الغنائي العتيد. فهل الأغاني الخاصة القليلة جداً لآمال ماهر هي قلة إيمان بأنها قادرة على أكثر... أم ماذا؟ ولماذا لا تنشد أي أغنية من تلك الأغاني الخاصة – على قلتها – في حفلاتها لتكريم أم كلثوم ولو على سبيل إيناس الناس، الجمهور، ببعض ما عندها هي قبل أن تغني أم كلثوم، وهذه الطريقة اعتمدتها نجوى كرم ووائل كفوري حين أنشدا بعضاً قليلاً من أغانيهما الخاصة قبل أن يشرعا في أداء أغاني وديع الصافي، وبحضوره على المسرح معهما، في حفلة لتكريمه في مهرجانات جبيل اللبنانية الأخيرة؟