من المتوقع أن تصادق الحكومة الإسرائيلية الأمنية المصغرة (كابينيت) اليوم بغالبية الأصوات على اتفاق المصالحة وتطبيع العلاقات مع تركيا الذي وقع عليه أمس على انفراد في القدسالمحتلة وتل أبيب وكيلا وزارتي الخارجية في البلدين، على رغم اتساع الانتقادات للاتفاق، خصوصاً في أوساط اليمين المتطرف، بداعي أنه لا ينبغي على إسرائيل أن تدفع تعويضات ل «مخربين»، ولدى عائلات الجندييْن اللذين تحتجز «حماس» جثتيْهما والمدنييْن الإسرائيليين المفقوديْن في القطاع بداعي عدم تضمين الاتفاق بنداً يقضي بإعادتهم إلى إسرائيل. وجاء لافتاً أن التوقيع على الاتفاق تم بعيداً من الاحتفالية وأضواء الإعلام. وقال وكيل وزير الخارجية الإسرائيلية دوري غولد إن التوقيع على الاتفاق هو «لحظة تاريخية وخطوة استراتيجية للبلدين وللمنطقة بأسرها». وفي الجانب التركي، وقع الاتفاق في انقرة الأمين العام لوزارة الخارجية التركية فريدون سينيرلي أوغلو. وتوقع مراقبون أن يصوت إلى جانب الاتفاق سبعة وزراء في مقابل معارضة ثلاثة أصوات هم وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان ووزيرا حزب المستوطنين «البيت اليهودي» نفتالي بينيت وأييلت شاكيد. واعتبروا تصويت المعارضين «مناكفة» في سياق التنافس بين كل منهما من جهة، وبينهما وبين رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو من جهة أخرى على قيادة «المعسكر اليميني المتطرف». ولفت أحد المحللين السياسيين إلى أن الثلاثة ما كانوا ليتخذوا موقف المعارضة لو كان تصويتهم يؤدي إلى عرقلة الاتفاق. وخلافاً لتقارير سابقة بأن ليبرمان طمأن نتانياهو عند انضمامه إلى الحكومة قبل شهر بأنه لن يعارض الاتفاق المتبلور، إلا أن أوساط ليبرمان أوضحت أنه لم يغير موقفه المعارض، لكنه لن يخوض حرباً علنية ضد الاتفاق. وبرر ليبرمان موقفه ب «الكرامة الوطنية» التي لا يجب أن تسمح لإسرائيل بالاعتذار عن قتل عشرة أتراك، وتعويض عائلاتهم مالياً. وقال بينيت في بيان أصدره إن المصالحة مع تركيا مهمة في هذا الوقت وتخدم مصالح إسرائيل «لكن دفع تعويضات لإرهابيين حاولوا أذية جنودنا هو سابقة خطيرة ستندم عليها إسرائيل في المستقبل». وقال زميله أوري أريئل إن الدافع الرئيس لنتانياهو لتوقيع الاتفاق كان الاعتبار الاقتصادي «لكنه لا يسد الثغرات الكثيرة في الاتفاق». ونقلت وسائل إعلام عن وزراء آخرين سيصوتون إلى جانب الاتفاق، استياءهم من عدم إطلاعهم على تفاصيل الاتفاق قبل التوقيع عليه، وبأن نتانياهو يطرح للتصويت اتفاقاً هو بمثابة «حقيقة ناجزة». وقال أحدهم إن نتانياهو جعل من وزرائه «ختماً مطاطاً». لكن أوساطاً قريبة من رئيس الحكومة نفت الادعاء، وقالت إن مستشاره للأمن القومي يعقوف ناغل أطلع الأسبوع الماضي جميع أعضاء «الكابينت» على تفاصيل الاتفاق. إعلامياً، لاقى الاتفاق التأييد، لكن مع التحفظ على بعض بنوده واتهامات لرئيس الحكومة بأنه كان في وسعه إنجاز اتفاق أفضل و»بثمن أقل» قبل خمس سنوات. وكتبت معلقة الشؤون الحزبية في «يديعوت أحرونوت» سيما كدمون أن النقطة الإيجابية في الاتفاق تتمثل في حقيقة التوصل إليه، «لكن تفاصيله أشبه بأسماك فاسدة اصطادها نتانياهو بنفسه»، فيما كان بإمكانه التوصل إلى اتفاق أفضل قبل سنوات لو سارعت إسرائيل إلى الاعتذار ودفع التعويضات لتتفادى تردي العلاقات بين البلدين إلى الحضيض. وأضافت أن المحفز الرئيس لإبرام الاتفاق هو موضوع الغاز الطبيعي «بؤبؤ عين نتانياهو» والإمكانات الهائلة الكامنة في بيعه لتركيا بعد أن تبين أن مصر لن تكون الزبون الذي تمناه نتانياهو. وأردفت أن «المحفز التركي» للاتفاق هو العزلة الدولية التي عانى منها أردوغان في السنوات الأخيرة. وأجملت أن الاتفاق كان نتاج مصالحة بين «الأنا» لكل من نتانياهو وأردوغان. ونقل المعلق العسكري في الصحيفة أليكس فيشمان عن جهات أمنية إسرائيلية رفيعة المستوى أن أحد «ثمار» الاتفاق هو قرار الرئيس التركي إنهاء ولاية رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان ك «لفتة طيبة» تجاه إسرائيل التي اتهمته في الماضي بأنه سرب معلومات حساسة تلقاها منها إلى المخابرات الإيرانية. ووفق الجهات الأمنية، فإنه منذ تعيين فيدان في منصبه قبل 6 سنوات، تردت العلاقات الاستخباراتية الأمنية بين البلدين. وكتب المعلق العسكري في «هآرتس» يوسي ميلمان أن أهم ما حققه الاتفاق تمثَّل بتمكين تركيا من توظيف موازنات كبيرة لبناء مستشفى ومحطة لتوليد الطاقة في غزة، و»هذا أمر مهم لسكان القطاع، إذ إنه كلما تنفسوا الصعداء أكثر انخفضت احتمالات وقوع جولة حرب رابعة»، فضلاً عن تخفيف العبء الاقتصادي الملقى على إسرائيل من أجل مساعدة القطاع. وتابع أن الاتفاق يحقق لإسرائيل انجازات أخرى لا يستهان بها، مثل منع القيادة العسكرية في «حماس» من استخدام الأراضي التركية قاعدة لنشاطات إرهابية أو التخطيط لمثلها ضد إسرائيل، فضلاً عن رفض إسرائيل رفع الحصار عن غزة والتزام تركيا عدم ملاحقة الجنود والضباط الإسرائيليين المتورطين في حادثة مرمرة، قضائياً. كما أشار إلى أهمية تطبيع العلاقات الديبلوماسية الكاملة بين الدولتين وتحسين العلاقات الاقتصادية، خصوصاً تصدير جزء من الغاز الطبيعي لتركيا ومن هناك إلى أوروبا. وفي تركيا، أعلن الناطق باسم الرئاسة ابراهيم كالين خلال مؤتمر صحافي في القصر الرئاسي في انقرة امس: «سنباشر الأسبوع الجاري آلية تعيين سفيرين». وكان رئيس الوزراء بن علي يلدريم اعلن في وقت متقدم من ليل الاثنين - الثلثاء أن البلدين قد يتبادلان السفراء «في غضون أسبوع أو أسبوعين». في هذه الأثناء، تنطلق أول سفينة تركية محملة ب 10 آلاف طن من المساعدات الإنسانية من تركيا الى ميناء اسدود الإسرائيلي. وكان مكتب نتانياهو اصدر مساء الاثنين بياناً أشار الى أن الاتفاق ينص على أن شحنات المساعدات ستخضع لتفتيش أمني قبل تحويلها على غزة عبر المعابر، موضحاً أن الاتفاق لا ينص بتاتاً على نقل الشحنات في شكل مباشر عبر السفن من تركيا إلى غزة.