أعلن الكرملين أمس، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قدّم اعتذاراً لنظيره الروسي فلاديمير بوتين عن إسقاط مقاتلات تركية قاذفة «سوخوي 24» فوق منطقة الحدود مع سورية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وهو الحادث الذي أدى إلى مقتل قائدها وتدهور خطير في العلاقات بين موسكووأنقرة. (راجع ص3) وجاء الاعتذار التركي الذي طالبت به موسكو منذ شهور طويلة، في وقت شهدت محافظة حلب في شمال سورية استمراراً للمواجهات العنيفة بين القوات النظامية وفصائل المعارضة في منطقة الملاح شمال حلب وبين «قوات سورية الديموقراطية» وتنظيم «داعش» في مدينة منبج بريف حلب الشمالي الشرقي، فيما بدأت فصائل مسلحة عدة هجوماً مشتركاً لطرد «داعش» من مخيم اليرموك جنوب العاصمة السورية. وفتحت أنقرة في شكل مفاجئ أمس، الباب أمام احتمال تطبيع العلاقات مع موسكو عبر استجابة أردوغان لأبرز شرط روسي شكّل عقدة أمام استئناف العلاقات المتوترة منذ حادث إسقاط الطائرة الروسية. وكانت موسكو اشترطت تقديم اعتذار رسمي ودفع تعويضات وتقديم المسؤولين عن الحادث إلى القضاء. وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إن بوتين تسلّم رسالة من أردوغان أعلن فيها الأخير «استعداد تركيا لعمل كل ما يلزم من أجل إعادة تطبيع العلاقات مع روسيا». موضحاً أن الرئيس التركي «عبّر في رسالته عن تعاطفه مع ذوي الطيار الروسي أوليغ بيشكوف» وقدّم تعازيه العميقة وقال: «أعتذر»، وشدد على استعداد أنقرة لبذل كل ما بوسعها من أجل استعادة علاقات الصداقة التقليدية بين تركياوروسيا، وتقديم الرد المشترك على الأزمات في المنطقة ومحاربة الإرهاب. ونشر الموقع الإلكتروني للكرملين مقتطفات من رسالة الرئيس التركي إلى بوتين، جاء فيها أن روسيا تُعدّ صديقاً وشريكاً استراتيجياً لتركيا، وأن السلطات التركية لا تريد إلحاق أي ضرر بالعلاقات مع موسكو. وكتب أردوغان في رسالته: «لم تكن لدينا يوماً رغبة أو نية مسبقة لإسقاط طائرة تابعة للاتحاد الروسي». وذكّر بأن الجانب التركي «تحمّل كافة المخاطر وبذل جهوداً كبيرة» لكي يتسلّم جثة الطيار الروسي القتيل من أيدي معارضين سوريين وينقلها إلى الأراضي التركية، و «نظّم الطقوس اللازمة لتسليم الجثمان بمراعاة الإجراءات الدينية والعسكرية المعتادة». وأضاف أردوغان أن «أنقرة قامت بهذا العمل على مستوى يتناسب مع العلاقات التركية- الروسية وأريد أن أعرب مجدداً عن تعاطفي وأقدّم التعازي العميقة وأقول أعتذر، وإنني أشاطرهم ألمهم من كل قلبي. ونحن نعتبر عائلة الطيار الروسي عائلة تركية، ومستعدون لأي مبادرة من أجل تخفيف الألم ووطأة الخسائر»، مضيفاً أن السلطات التركية تحقق مع مواطن تركي ارتبط اسمه بحادث مقتل الطيار الروسي. وفي هذا الإطار، نقلت وكالة «رويترز» من إسطنبول عن مسؤول تركي لم تسمّه قوله الإثنين، إن رجلاً يشتبه في أنه قتل طيّاراً روسياً بعدما أسقط الطيران التركي طائرته قرب الحدود السورية في تشرين الثاني الماضي «تجري محاكمته». واعتقل ألب أرسلان جيليك الذي كان يقاتل في ذلك الوقت ضمن لواء تركماني مدعوم من تركيا ومعارض للقوات الحكومية في شمال سورية في أواخر آذار (مارس) في مدينة أزمير، لكن الاتهامات التي أوقف على أساسها لا علاقة لها بإسقاط الطائرة. وقررت محكمة تركية في أيار (مايو) أن الأدلة غير كافية لإدانته. وتطالب موسكو منذ فترة طويلة بمحاكمة جيليك. وكانت مؤشرات إلى احتمال كسر الجليد في علاقات روسيا مع تركيا برزت أخيراً عبر تبادل الزيارات لوفود غير رسمية من الطرفين. وقالت مصادر روسية ل «الحياة» إن موسكو استقبلت أخيراً وفداً رفيعاً ضم شخصيات مقربة من الخارجية التركية وجرت مناقشة آليات تسوية الخلاف بين البلدين. وعلى رغم أن الزيارة غير رسمية، لكن أهميتها تكمن في أن الدعوة تم توجيهها عبر مركز دراسات استراتيجية روسي تابع للكرملين. وفي إشارة أخرى في الاتجاه ذاته، صرّحت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، بأن روسيا ستوجه دعوة إلى وزير الخارجية التركي مولود شاووش أوغلو، للمشاركة في اجتماع وزراء خارجية منظمة التعاون الاقتصادي للبحر الأسود المقرر بعد أيام، في إطار التزام روسيا كدولة منظمة للفعالية. لكن زاخاروفا شددت على الموقف الروسي الداعي إلى إغلاق الحدود التركية- السورية شرطاً من شروط إنجاح التسوية في سورية.