أعلن رئيس الوزراء الموريتاني مولاي ولد محمد لغظف استعداد حكومته للدخول في حوار جاد وبناء مع قوى المعارضة. والتزم ولد محمد لغظف أثناء استجوابه في البرلمان في وقت متقدم مساء أول من أمس «اتخاذ الخطوات والآليات اللازمة لذلك في أسرع وقت». وأضاف لغظف أن الرئيس محمد ولد عبدالعزيز يرحب بالحوار مع المعارضة وقد التقى بعض قادتها وهو مستعد للاجتماع ببقية زعمائها لمناقشة قضايا البلاد ومشاكلها. وجاء كلامه في معرض رده على سؤال شفوي وجّهه إليه النائب عن حزب «اتحاد قوى التقدم» المعارض محمد المصطفى ولد بدر الدين. وبدأ بدر الدين جلسة استجواب رئيس الوزراء بالقول «إن عاماً كاملاً مضى على توقيع الفرقاء السياسيين في موريتانيا اتفاق دكار، من دون أن يقوم النظام بدعوة المعارضة إلى مواصلة الحوار المنصوص عليه في الاتفاق» الذي أوجد صيغة لتسوية خلافات داخلية بين مؤيدي الإنقلاب العسكري ضد الحكم المدني وبين معارضيه. وأضاف ولد بدر الدين «أن المعارضة تشعر بالمرارة من عدم تطبيق بنود أساسية في الاتفاق». واتهم النائب المعارض رئيس حكومة ولد عبدالعزيز ب «الإخلال بالتزامات سابقة بالحياد خلال قيادته حكومة الوحدة الوطنية التي أشرفت على انتخابات 18 تموز (يوليو) 2009». ورد ولد محمد لغظف قائلاً: «لا أريد العودة إلى الماضي، الانتخابات حسمها فوز الرئيس محمد ولد عبدالعزيز واتفاق دكار ككل الاتفاقات فيه أساسيات وفرعيات، والأساس هنا كان تنظيم انتخابات رئاسية حرة وشفافة. وقد نُظّمت هذه الانتخابات في ظروف جيدة وبكل شفافية وباعتراف المجتمع الدولي»، على حد قوله. ودافع ولد محمد لغظف عن سياسات حكومته وقال إن البرامج الحكومية التي عمل على تنفيذها غيّرت وجه الحياة في البلاد. وشدد على أن أداء فريقه كان جيداً. وأضاف مخاطباً النواب: «قمنا بتوفير الماء والكهرباء في أماكن كثيرة كانت تنعدم فيها، وقمنا بشق الطرق وبتسوية ملفات حساسة كانت عالقة مثل الإرث الإنساني، وعملنا على ترسيخ الديموقراطية والعدالة وتعزيز الوحدة بين مكونات الشعب الموريتاني». وتولى ولد محمد لغظف رئاسة الحكومة الموريتانية ثلاث مرات خلال أقل من سنتين وعيّن رئيساً للوزراء بعد الإطاحة بالرئيس السابق سيدي محمد ولد الشيخ عبدالله في انقلاب عسكري في آب (أغسطس) 2008، وتولى أيضاً رئاسة حكومة وحدة وطنية عيّنها الرئيس السابق عندما عاد في شكل رمزي إلى السلطة إثر اتفاق سياسي أُبرم في دكار في حزيران (يونيو) 2009. وأشرفت حكومة الوفاق الوطني التي شاركت فيها المعارضة على انتخابات رئاسية حرة في الثامن عشر من تموز (يوليو) من السنة نفسها وفاز فيها الرئيس الحالي ولد عبدالعزيز الذي أعاد تكليف صديقه الشخصي السفير السابق مولاي ولد محمد لغظف تشكيل الحكومة. على صعيد آخر (أ ف ب)، يفتح القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان الموريتاني هذا الأسبوع الباب للمرة الأولى أمام توبة المقاتلين المتشددين في محاولة لاحتواء تنامي «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي». وينص القانون الذي صادق عليه مجلس الشيوخ مساء الخميس في بنده التاسع عشر على أنه «يمكن أن يستفيد من اسقاط الحكم أي من عناصر مجموعة خططت لعمل إرهابي يُبلغ بذلك السلطات الإدارية أو القضائية بما يسمح بتفادي تنفيذ ذلك العمل أو التعرف على مدبّريه». وأكد أحد القضاة ل «فرانس برس» أن هذا القانون يشمل الإرهابيين الذين ما زالوا ينعمون بالحرية والمعتقلين الذين لم يحاكموا بعد. لكن القانون ليس رجعياً بالنسبة إلى المحكوم عليهم الذين يقضون حكمهم في السجن. إلا أن القانون الجديد يفرض شروطاً عدة على التائبين. وفي إمكان النيابة خصوصاً ملاحقتهم إذا كانت لديها أدلة تُثبت أن توبتهم ليست صادقة بوضعهم قيد المراقبة طيلة ثلاثة أشهر. وصرّح القانوني الموريتاني فضيلي ولد رايس إلى «فرانس برس» بأن هذا القانون «مستلهم من قواعد الشريعة الإسلامية التي تشدد على البراءة والتوبة». وتحدث القانوني عن الحوار «العقائدي» الذي انطلق في كانون الثاني (يناير) في سجن نواكشوط بين فقهاء فوّضتهم الحكومة وستين إرهابياً مفترضاً ينتظرون محاكمتهم. وأكد علماء الفقه عقب تلك المناقشات أن معظم المساجين «اعترفوا بأخطائهم» و «عدلوا عن آرائهم القائمة على التطرف والعنف». والآن يوفّر التشريع الجديد أساساً قانونياً للتوبة. وتناقض هذه الفكرة أحكام الإعدام الصادرة أخيراً بحق ثلاثة شبان موريتانيين موالين ل «القاعدة». ففي 25 أيار (مايو) حكمت محكمة نواكشوط الجنائية بالإعدام على سيدي ولد سيدنا (22 سنة) ومعروف ولد الهيبة (28 سنة) ومحمد ولد شبارنو (29 سنة) بعد ادانتهم باغتيال أربعة سيّاح فرنسيين قرب مدينة ألاك (جنوب شرقي البلاد) عام 2007. ونُفّذت أعمال إرهابية غير معهودة عام 2009 في موريتانيا، إذ جرى اغتيال أميركي في نواكشوط ونفّذ انتحاري محاولة اعتداء فاشلة قرب سفارة فرنسا، ثم خطف ايطاليين وثلاثة اسبان (ما زال اثنان منهم محتجزين) . واعتبر عالم الاجتماع محمد الأمين ولد سيدي أنه لأمر جيّد أن يكرّس القانون التوبة. وقال: «أظن أن القضاء على مصادر الإرهاب تقتضي ذلك. هكذا يمكن استعادة الشبان ومصالحتهم مع مجتمعهم ودينهم». وقال ل «فرانس برس» انه «نوع من الاندماج الاجتماعي يجب السعي إليه لأنه تبيّن أن القوّة وحدها لا يمكن أن تؤتي بنتائج مع أولئك الذين يبحثون عن الاستشهاد كهدف رئيسي لأعمالهم الجهادية».