تأمل مونديال جنوب أفريقيا 2010. إنس طنين ال"فوفوزيلا" المزعجة. ثمة كثير من الأشباح تتقافز في الكأس العالمية التي تديرها ال"فيفا". تأتي الأشباح محمولة على صهوة الذكريات. يتذكر البعض أشباحاً مثل غارينشيا وفافا ودي ستيفانو وزاغالو في سياق استعادة الزمن الذهبي للكرة. ثمة أشباح أكثر قرباً زمنياً، مثل أندرياس إسكوبار، المدافع في منتخب كولومبيا، الذي قتل في الثاني من تموز (يوليو) 1994، قبل أن يُسدل الستار على المونديال الذي شارك فيه. رمي بالرصاص في مرقص إصطحب إليه أصدقاءه في مدينة "ميدايين"، معقل كارتل الكوكايين في كولومبيا. وراج أن مقتله له علاقة بالهدف الذي أدخله خطأً في مرمى منتخب بلادة في كأس ال"فيفا" لكرة القدم في 1994، التي استضافتها الولاياتالمتحدة. وحينها، كان لكولومبيا فريق وُصف بأنه ذهبي. وأثناء مباراة المنتخب مع الولاياتالمتحدة في التصفيات الأولى للمونديال الأميركي، وضعت إسكوبار قدمه ليعترض كرة عرضية للاعب الوسط الأميركي جون هاركيز، فحوّلت طريقها لتصل الى شباك المنتخب الكولومبي. لم يكن المونديال قد انتهى، حين قُتل إسكوبار. ولاحقاً، اعترف حارس شخصي لأحد بارونات الكوكايين في كولومبيا، بأن زعيمه أمر بتصفية إسكوبار، لأن هدفه "الخطأ" أدى الى خسارة ضخمة له. إذن، تحوّل اللاعب الذهبي الى أحد أشباح كرة القدم على التقاطع بين أموال الكوكايين ومراهنات كرة القدم، وهذه أموال متقاطعة بشدّة في أميركا الجنوبية، معقل نجوم كرة القدم! ماذا عن الأموال "الأخرى" في كرة القدم، تلك التي تأتي من الفساد وترتيب المباريات وشركات الصناعة الرياضية وإعلاناتها ورعايتها وغيرها. ومثلاً، جرى مونديال ألمانيا 2006 في ظل فضيحة ضخمة تمثّلت في إنكشاف أن نادي يوفنتوس اعتاد على الفوز بالدوري عِبر مباريات مرتبّة النتائج! وزاد في الفضيحة ان معظم لاعبي المنتخب الإيطالي، الذي فاز بالكأس الذهب لذلك المونديال، جاؤوا من يوفنتوس الذي جُرد من لقبه كبطل للدوري لخمس سنوات سابقة، لأنها بطولات جاءت من الأموال. تتركّز معظم الأموال المباشرة لكرة القدم في أوروبا، خصوصاً دورياتها الخمسة الكبرى (إنكلترا، ألمانيا، إسبانيا، إيطاليا وفرنسا)، التي وصلت عائداتها في موسم 2008-2009 قرابة 10 بلايين دولار. ومعلوم ان النوادي الأوروبية الكبرى هي فعلياً بورصة للاعبين الذين بلغت أسعارهم أرقاماً مذهلة، لا تكف عن التصاعد. بعض النوادي الكبرى، التي تعتمد كثيراً على لاعبين من أميركا الجنوبية أيضاً، له أسهم مباشرة في البورصة، كحال مانشستر يونايتد. على هذه الحال، وصلت الكرة وأموالها الى جنوب افريقيا. وسرعان ما حدثت أشياء تدفع إلى التفكير. خرجت تباعاً المنتخبات الكبرى (انكلترا، ايطاليا، فرنسا، الأرجنتين، البرازيل وألمانيا) التي تضم لاعبين تقدر مجموع أسعارهم بالبلايين. وبقول آخر، خرجت منتخبات الدوريات الخمسة الكبرى في أوروبا، مع الدول التي تأتي منها نجوم هذه اللعبة، خصوصاً البرازيل والارجنتين. كم من أموال تحرّكت في هذه النتائج؟ كم تغيّرت أسعار اللاعبين الخاسرين؟ في عين المراهنات، كلما ربح من انعقدت عليه رهانات أقل، زادت أرباح شركات المراهنات. وكلما خرج منتخب كبير وممتلئ بالنجوم والألقاب والكؤوس، تضاعفت أرباح شركات المراهنات. كم جنت هذه الشركات من النتائج الخاسرة للمنتخبات القوية والتي انعقدت عليها رهانات الجمهور ومراهناته أيضاً؟ وإلى أي مدى ترسم أموال المراهنات نتائج المونديال؟ ماذا عن الأموال الاخرى التي تأتي من شركات البطاقات الائتمانية والمشروبات الغازية وملابس الرياضة وأدواتها والاتصالات الخليوية والبث التلفزيوني والاعلانات والمأكولات والعطور والملابس والسياحة وغيرها؟ لا أقل من ملاحظة ان مونديال 2010 يكاد أن يكون تسونامي أموال وأرباح للشركات المختلفة. وللحديث صلة.