بدا المغامر اللبناني مكسيم شعيا مزهواً بعلم بلاده (قياس 90x60 سنتم) الذي حمله في مغامراته المميزة كلها، وآخرها بلوغه الدرجة ال90 في القطب الشمالي، مضيفاً هذا الإنجاز الى سجله الغني، اذ بات الشخص ال16 في العالم الذي يحقق "الأقطاب الثلاثة" وهي بلوغ القطبين الشمالي والجنوبي والوصول الى قمة ايفيرست على إرتفاع 8850م، والشخص الرابع في العالم الذي يضيف "شرف" هذه الأقطاب "مجتمعة" الى إعتلائه القمم السبع في العالم. وقد سبقه الى تحقيق ذلك كوريان جنوبيان وبريطاني فقط (ما يصنّف لبنان ثالث بلد على لائحة هذه المنجزات بعد كوريا الجنوبيّة وإنكلترّا). بتاريخ 25 نيسان (أبريل) الماضي (الساعة 17.22 بتوقيت بيروت)، غرس شعيا علم لبنان في القطب الشمالي "الجغرافي" إثر رحلة تزلج شاقة من دون أي مساعدة لمدّة 53 يوماً (أكثر من 800 كلم) "في المكان الأكثر قساوة على وجه الأرض"، انطلاقاً من جزيرة إلسمير Ellesmere في كندا. ولفت شعيا الى أن بعثتنا - بعثة بيري المئويّة إلى القطب الشمالي Peary Centennial North Pole Expedition - تطلّبت "من زميليّ (الأميركي ستيورات سميث والكندي لوني دوبري) ومني أن نتحمّل درجات حرارة تقارب 60 درجة تحت الصفر، وأن نواجه خطر الدببة القطبيّة القائم باستمرار، وأن نتغلّب، إضافة إلى ذلك، على عقبات كبيرة كان أصعبها ضغط تشقّقات الجليد، ورقائق المياه الثلجيّة، وجليد رقيق، ورياح غربيّة عنيفة كانت تسبّب انجرافاً سلبيّاً غير مألوف. كنا ثلاثة أشخاص على مساحة 10 في المئة من الكرة الأرضية". واعترف شعيا بأنّ الفريق ساوره الشكّ أحياناً في إمكان وصوله إلى القطب الشمالي عند الموعد المحدّد أصلاًً. "كان علينا أن نحارب الخصم الأكثر إحباطاً للعزائم، هو ما يطلق عليه متسلّقو الجبال إسم "الانجراف القطبي" transpolar drift، وهو تيّار قويّ يجرف الثلج باستمرار من القطب نحو الجنوب، كأنّه بساطٌ نقّال عملاق، في حين أنّنا كنّا نبذل جهوداً للتزلّج نحو الاتّجاه المعاكس تماماً، أي الشمال". وزاد: "كان كلّ يوم جديد يشكّل تحدّياً إضافيّاً، لكنّنا كنّا نجاهد للتغلّب على الصعاب، محافظين على آمالنا ومذكّرين أنفسنا بأنّ غداً يوم آخر". وعلى رغم أنّ درجات الحرارة كانت ترتفع يوميّاً، فإنّ الوضع لم يكن يتحسّن أبداًّ. ثمّ أمست المغامرة كابوساً على حدذ تعبير شعيا، عندما نفد منّا الطعام وما يحتوي عليه من وحدات حراريّة ضروريّة، "وذلك قبل ثلاثة أيّام من بلوغ هدفنا شبه الوهمي. وكنّا قد فقدنا الكثير من الوزن والقوّة (نحو 14.5 كلغ)، على رغم تناول كلٍّ منّا ال8000 وحدة حراريّة اللازمة كلّ يوم لمقاومة البرد وجرّ مزلجة مدّة 15 ساعة. فحتّى أظلالنا بدت نحيفة. ولحسن الحظّ، تمكّنّا من تخزين الطعام من جديد من بعثة أوصلت الينا المؤونة بواسطة مروحية، في سبيل إكمال رحلتنا وبلوغ مقصدنا قبل الموعد المحدّد، أي 26 نيسان". سعى شعيا ليكون إنجازه، الذي شكّل بالنسبة إليه تحدّياً ذاتيّاً، هدية متواضعة الى بلاده، مختبراً مقدار عزيمته بنجاح مرّة أخرى. وكان يبعث بانتظام صوراً وتسجيلات من القطب بواسطة جهاز يعمل على الأقمار الاصطناعيّة، ما سمح لجمهوره في لبنان والخارج (ما يفوق 3 ملايين زيارة لموقع الإنترنت الخاصّ به www.thethreepoles.com) أن يواكب مغامراته بشوق وحماسة. وشكّلت رسائل التضامن والتشجيع والدعم التي تدفّقت يوميّاً على الموقع حافزاً قويّاً لشعيا على المثابرة، لا سيّما خلال المراحل القاسية. ويشارك شعيا محبيه نجاحه بما حققه ب" بانفعال وارتياح ورضى واعتزاز. ومع أنّني دوماً أتحضّر للأسوأ وأنا أتطلّع إلى الأحسن، كانت هذه البعثة، بلا شكّ، أكثر صعوبةً وأكثر خطورة ممّا كنت أتصوّره"، محفزاً الجميع على بلوغ أهدافه وتنمية قدراتهم بالتخطيط والمثابرة والعزم. وعزيمة شعيا لن تستكين بعد الرحلة المضنية، اذ أن جذوة الحماسة متقدة أبداً في شرايينه، وهو ينطلق بعد أيام في رحلة على متن دراجة هوائية يجتاز خلالها على مدى أسبوع جزيرة كورسيكا الفرنسية بواقع نحو 200 كلم يومياً. * قبل أن تنطلق مروحية من طراز "سيكورسكي MI8" بالمغامرين الى قاعدة بارنيو الروسية في طريق عودتهم بعد إتمام الرحلة، كان على متنها المخرج الانكليزي – الفرنسي دفن الطيار سباستيان كوبلند الذي لم يتمكّن من بلوغ القطب، فإغتنم المناسبة ليدفن في الجليد كيساً صغيراً يحتوي رماد جثة فتاة أراد أهلها "أن ترقد بسلام" تحت البساط الأبيض. * يُصدر شعيا في الشهور المقبلة كتاباً باللغة الإنكليزية، يحمل عنوان "أحلام شاهقة – رحلتي الى أعلى قمة في العالم" STEEP DREAMS. ويقع في 496 صفحة من القطع الكبير، ويحتوي على صور مؤثرة ويعرض انطباعات وتجارب مستقاة من رحلاته وأسفاره الكثيرة حتى بلوغه قمة ايفيرست في 15 أيار (مايو) 2006. على أن تصدر لاحقاً ترجمة بالعربية.