تنتشر في الثقافة الإسلامية وعبر القصص الديني الأدبيات والحكم التي تحذر تحذيراً شديداً من عدم المساواة بين الأبناء، حتى إن قسمة العطيات بين الأبناء يجب أن تكون متساوية، وإلا كانت ظلماً بحسب الفقه الإسلامي. لكن الأبحاث النفسية والاجتماعية لم تُعنَ بهذا الموضوع، في صورة مركّزة، وبقي في صيغته الأدبية. وأخيراً توصل خبراء أميركيون (يو بي آي) إلى أن تأثير تفضيل الأم أحد أطفالها في مرحلة الطفولة، يستمر لاحقاً حيث يشكو أولادها جميعاً، ومن بينهم الولد المفضل، من عوارض اكتئاب. وتعود هذه التحذيرات بالذاكرة إلى قصة يعقوب وأبنائه في القرآن الكريم، في سورة يوسف، الذين أصيبوا بالاكتئاب بحسب النص للسبب الآتي: «لَيوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا». وعمد الباحثان كارل بيلمر من جامعة كونيل في نيويورك وجيل سويتور من جامعة بيرديو، وزملاؤهما إلى تحليل بيانات من مقابلات مع 276 أماً، في العقدين السادس والسابع من العمر، ولديهن ما لا يقل عن ولدين. واستطلعت آراء 671 شخصاً هم أولاد أولئك الأمهات. ويقول بيلمر: «ما زال تفضيل الأم أحدَ أطفالها يؤثر في صحة الأولاد النفسية، حتى بعد مضي سنوات على إقامتهم خارج منزل العائلة... وتأسيسهم عائلات جديدة». ويضيف: «مفهوم عدم المساواة في المعاملة، يترك تأثيراً سيئاً في كل الأولاد سواء كانوا مفضلين (لدى أمهاتهم) أم لم يكونوا». ويشدد فقهاء الدين الإسلامي على خطورة التفضيل بين الأبناء، مؤكدين أنه يؤدي إلى تأثيرات سلبية كبرى، وخصصت له أبحاث ورسائل خاصة، وتناولته الفتاوى الشرعية بعناية فائقة. وخصص الباحث السعودي، عبد المحسن المنيف، بحثاً في أحكام الهبة والتسوية بين الأولاد، لبيان خطورة الأمر والسلبيات التي تنتج منه. ويقول المنيف: «الدراسة تؤكد أن الراجح في حكم التسوية في هبة الأولاد هو الوجوب، وكفى لهذا دليلاً أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سمى ما وُهِب النعمان بن بشير جوراً، وأنه رفض الشهادة عليه، ودعا أباه إلى تقوى الله والعدل بين أولاده، وأنه رد عليه هذه الهبة». ويضيف: «هذا بذاته ما أفتت به اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية، فصرحت بأنه يجب على الوالد أن يسوي بين أولاده في العطية بحسب الميراث الشرعي، ولا يجوز له تخصيص بعضهم دون بعض، لنهي النبي (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك. وتناولت دراسات الباحثين الاجتماعيين في شتى المجتمعات خطر التمييز بين الأبناء، وأجمع مهتمون بالمجالات الاجتماعية والنفسية على إدانته، ومن بينهم الباحث الاجتماعي السعودي، محمد اليامي، الذي يقول: «التمييز بين الأبناء يتسبب في بروز سلوكيات وتنافر بينهم جراء ذلك». وأكدوا في أبحاث خاصة على اتّباع خطوات متوازنة ودقيقة تحكم تعامل الأهل اليومي مع أبنائهم، كي لا تظهر حساسيات وكره وانتقام بين الأبناء. ويضيف اليامي: «الفرد سواء في مرحلة الطفولة أم المراهقة أم الكبر، يغار من قرينه حتى لو كان شقيقه، خصوصاً إذا أحس بأنه أفضل منه ويحظى بمعاملة خاصة من ذويه. وثبت أن التمييز لأي سبب، سواء اللون أم الجمال أم الذكاء، لا يعتبر مسوغاً للآباء لتفضيل أحدهم على الآخر».