مسلحون وفارون يعقدون مؤتمرات صحافية تؤمنها أسلحتهم الخفيفة والثقيلة. هذا واقع جديد في سيناء المصرية فرضته المواجهة الحالية بين مجموعة من المطلوبين أمنياً والشرطة التي استدعت عقد لقاء بين وزير الداخلية حبيب العادلي ومجموعة من مشايخ القبائل في سيناء لاحتواء التوتر الذي نشب على خلفية شن قوات الأمن عمليات دهم في عدد من القرى الواقعة على طريق منفذ العوجة، لاعتقال أشخاص تنفيذاً لأحكام قضائية صادرة في حقهم أبرزهم سالم لافي الذي هرب قبل أشهر من قبضة قوات الأمن بعد عملية نفذها مساعدوه قتلوا خلالها ضابطاً وشرطياً وأصابوا ثلاثة آخرين. وهاجم المسلحون قوافل الإغاثة المتجهة إلى منفذ العوجة في طريقها إلى قطاع غزة. وفيما بدا أنه رسالة إلى الدولة، استهدف المسلحون خط توصيل الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، كما التقوا صحافيين مصريين في دروب صحراء سيناء. ونشرت لهم الصحف صوراً يحملون فيها أسلحة مختلفة من بينها قاذفات «آر بي جي»، وأكدوا أنهم سيواصلون المواجهة مع قوات الأمن إلى أن تتحقق مطالبهم في الإفراج عن بقية المعتقلين. وطالبوا بإجراء محاكمات نزيهة لهم ولضباط في الشرطة. وليست المواجهات التي تتفجر بين البدو وسيناء من فترة لأخرى، ظاهرة جديدة، لكنها أمر متكرر غير أنه بدا في هذه المرة أن المطلوبين أمنياً من أبناء البدو «قطعوا شوطاً طويلاً في تحدي سلطة الدولة»، وهو الأمر الذي أثار مخاوف من توسع هذه المواجهات. ومشكلة سيناء ليست وليدة اليوم لكنها مشكلة مركبة مستمرة منذ سنوات لا يظهر منها إلا شقها الأمني. وقال عضو مجلس محلي الشيخ زويد وأحد أعيان قبائل سيناء عبدالمنعم الرفاعي ل «الحياة» إن التوتر في سيناء «له رواسب قديمة تتجدد كل فترة»، مشيراً إلى أنه منذ عام 1980 لم تحل أي من مشاكل أبناء سيناء «والدولة تمنحنا مسكنات فقط، من دون حلول جذرية». ولفت إلى أن أبناء سيناء يشعرون بالغبن والتهميش «فلا تنمية وصلت إلى أراضيهم وحتى المشاريع القليلة التي نفذت على أرض سيناء يحرم أبناؤها من العمل فيها». وأكد أن أبناء سيناء يُمنع تشغيلهم في ميناء العريش ولا يسمح لهم بالصيد في سواحلهم، فضلاً عن «تلفيق التهم لهم وعدم مراعاة الشرطة عاداتهم وتقاليدهم». وأضاف أن «الدولة اهتمت فقط بالمنتجعات السياحية التي يملكها رجال الأعمال في شرم الشيخ وطابا ودهب ويعمل فيها أبناء الوادي وتركت أبناء شمال سيناء ووسطها عرضة للاختراق، فأصبح وسط سيناء مسرح عمليات لتهريب السلاح من وإلى إسرائيل والأراضي الفلسطينية لأنه أرض مفتوحة لا تنمية فيها». وشدد على أنه «إذا لم تسعَ الحكومة إلى حلول جذرية لمشاكل أبناء سيناء ستتطور الأمور وسيكون المواطن في سيناء وأرض سيناء بذرة خصبة لأية عمليات تخريبية». ورأى الدكتور نبيل عبدالفتاح نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية أن ما يحدث في بعض أطراف الدولة المصرية من أشكال الاحتجاج السياسي والاجتماعي والعرقي يعود إلى عوامل تاريخية، فالمناطق الطرفية في تركيب الدولة المصرية في مراحلها التاريخية كافة «كانت دائماً غائمة ومشوشة في الوعي السياسي للنخبة والسلطة الحاكمة سواء كانت مصرية الأصل أو وافدة». وأشار إلى أن «ترامي الأطراف وتمركز أجهزة الدولة في قلب العاصمة هو ما يتيح بعضاً من الاحتجاج والإهمال في ما يتصل بالقضايا الاجتماعية الخاصة بأهالي هذه المناطق وكانت قضايا الأمن دائماً لها الأولوية على قضايا التنمية». وأضاف أن أهالي سيناء لهم مطالب اجتماعية واقتصادية بالغة الأهمية، وكان ينبغي الاهتمام بها من المركز. وتابع «أن التنمية في سيناء ارتكزت على التنمية السياحية مع تهميش أهالي سيناء واستبعادهم من مجال العمل إلا في أمور بالغة الهامشية»، مشيراً إلى أن التعامل على الصعيد الأمني والبيروقراطي مع أهالي سيناء يتطلب تدريباً وأساليب خاصة تختلف عن الأساليب التقليدية والثقافة الشائعة لدى الأجهزة المصرية للتعامل مع أبناء الدلتا والوادي. وقال: «يجب تغيير ذهنية التعامل اليومي والاستراتيجي مع أبناء سيناء، وهناك ضرورة لنظرة سياسية مغايرة لهذه المناطق باعتبارها تشكل قلب مصر لا أطرافها»، موضحاً أن «استمرار هذا النوع من الاحتجاجات سيشكل عامل ضغط إعلامي تستفيد منه إسرائيل للقول إن الدولة المصرية غير قادرة على استيعاب أبنائها في سيناء». وفي هذا السياق (رويترز)، قال عضو مجلس الشعب المصري حسام شاهين إن السلطات أفرجت عن سبعة من بدو سيناء ليرتفع عدد من أُفرج عنهم الى 14 بعد اجتماع مشايخ للبدو مع وزير الداخلية حبيب العادلي في القاهرة يوم الثلثاء الماضي. وكانت السلطات أفرجت عن سبعة أشخاص أول من أمس. وقال شاهين الذي حضر اجتماع وزير الداخلية مع مشايخ القبائل إن السلطات ستفرج عن خمسة معتقلين يومياً. وأضاف شاهين الذي يمثل دائرة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء في البرلمان: «سيعاد فحص ملفات جميع المعتقلين وبخاصة المعتقلين من أيام تفجيرات طابا وشرم الشيخ ودهب».