في كانون الأول (ديسمبر) 2008، نزلت وحدات من الحرس الثوري الإيراني (باسداران) بإرتيريا. وتقول مصادر غربية إن سفناً حربية، وغواصة، رست في ميناء عصب. والموقع استراتيجي، ويطل على البحر الأحمر، على بعد كيلومترات قليلة من باب المندب ومدخل خليج عدن. ويُنقل ربع نفط العالم من هناك، الى 10 في المئة من التجارة البحرية العالمية. وعلى هذا، لم يختر الإيرانيون ميناء عصب عبثاً. فإذا انفجر الخلاف مع الغرب على المسألة النووية، وسع طهران شن «جهاد بحري». والسيطرة على الممرات تتصدر أولويات النظام الإيراني. وهو هدد، في 2008، بقطع مضيق هرمز، على الجهة الأخرى من شبه جزيرة العرب. وبينما ينشغل العالم بمطاردة القراصنة الصوماليين في خليج عدن، تنصرف طهران الى إعداد بيادقها. وفي الأثناء، صار البحر الأحمر والمحيط الهندي من أكثر مناطق العالم اجتذاباً للمراقبة الأمنية. ف «الأطلسي» وأوروبا والأسطول الخامس الأميركي والروس والصينيون، الى آخرين، كلهم نشروا سفناً هناك، وأوكلوا اليها مطاردة القراصنة. فلم يخفَ على كثر مجيء الحرس الثوري الإيراني. ولاحقاً الأميركيون والفرنسيون، والبلدان يرابطان في قاعدتين بجيبوتي، على بعد عشرات الكيلومترات من عصب. وجزء من القيادة الأميركية بأفريقيا مركزة هناك، شأن جزءٍ من قيادة العمليات المضادة للإرهاب، ويستعمل «الأطلسي» قاعدة جيبوتي حين اندلاع نزاع. ويتساءل الخبراء العسكريون الغربيون عن خطط الإيرانيين. وتذهب بعض المصادر العسكرية والمدنية الى أن الباسداران نقلوا الى ارتيريا صواريخ متوسطة المدى. ويحتكر الحرس الثوري في ايران هذا السلاح، من دون الجيش النظامي. ويقول أحد الخبراء أن الصواريخ نقلت الى عصب، ولكنها لا تزال قِطعاً ولم تجمع، ويسعها، إذا نصبت حول الميناء، بلوغ شبه جزيرة العرب واسرائيل. وتحمل الدولة العبرية التهديد على محمل الجد. وهي أبلغت الأريتريين وغيرهم انها لن تبقى مكتوفة اليدين إذا جمعت القطع، وجهزت الصواريخ ونشرت، وسبق لإسرائيل، في شباط (فبراير) المنصرم، أن قصفت ثلاث شحنات سلاح الى «حماس» في الصحراء السودانية. وكانت الحمولات تصعد من طريق اريتريا، وتنوي الانتقال الى السودان فمصر قبل بلوغ قطاع غزة. وأعلن مصدر عسكري أن طائرة اسرائيلية من غير طيار قصفت مركباً ايرانياً وأغرقته قرب الساحل الأريتري. ويجمع السودانيين والأريتريين والإيرانيين حلف اقليمي يناهض الغربيين. ومنذ ادانة الرئيس السوداني، تنشد الخرطوم حلفاء جدداً، وكانت أسمرا أول بلد استقبل عمر حسن البشير بعد ادانته. وتسعى اريتريا، وهي تفوق عزلتها عزلة السودان، في فك طوق عدوها، الحبشة، حولها. وهي تساند، منذ أعوام، الإسلاميين الصوماليين المتطرفين وانفصاليي أوغادين، المنطقة الأثيوبية التي يقطنها صوماليون. وتتخذ واشنطن من الحبشة محور سياستها الإقليمية. وندبتها الى الاضطلاع بدور الشرطي في النزاع الصومالي. وهي تندد بسياسة أسمرا التي تزرع الاضطراب في القرن الأفريقي. والحق أن السودان، السني المحافظ، وأريتريا، المسيحية، بعيدين من ايران ايديولوجياً. ولحمة تحالف البلدان الثلاثة الحؤول دون بث الغربيين الاضطراب فيها، والإيرانيون، من ناحيتهم، يريدون توسيع سياسة ردعهم الشاملة. ولا يبدو أن يد الرئيس الأميركي الممدودة أقنعتهم بالرجوع عن سياستهم. وبعض الأطراف لا يريد التورط. فالسودان، على سبيل المثال، رفض استقبال صواريخ ايرانية على أرضه. * صحافي، عن «راديو فرانس انترناسيونال» الفرنسية، 7/5/2009، إعداد وضاح شرارة