اشتراكي صامد يلعن الطبقة الوسطى منذ أربعة عقود، ويمثل تلك الفقيرة ببلاغة ومرح قاتم. تتكرر هواجس جيمس كلمان في مجموعته الأخيرة «إذا كانت هذه حياتك» الصادرة عن دار هاميش هاملتن، بريطانيا، والتي يراوح حجم قصصها بين صفحة واحدة ورواية صغيرة.بطل القصة التي أعطت المجموعة عنوانها شاب سكوتلندي يدرس الفلسفة في جامعة إنكليزية، ويعود الى غلاسغو في نهاية الفصل الأول لقضاء عطلة الميلاد مع أسرته. يفكر بسيليا الإنكليزية ابنة الطبقة الوسطى التي تعرّف معها الى الحب والجسد. لا يعتقد أن فتاة مثلها توجد في غلاسغو، وحتى لو وجدت فإنه يعجز عن تصوّر الأمر. القصة مونولوغ طويل عن السياسة والطبقة وترقية الذات والنفور المتبادل بين الإنكليز والسكوتلنديين. تسهل عليه ملاحظة اختلافه عن الأوائل، لكنه يعرف أن الجنة بعيدة عن الطرفين. في «أنا كالمعجون» يقصد رجل مركزاً للتوظيف حيث تجذبه الموظفة المسؤولة عن ملفّه. وجهها صغير وهو لا يعجب بالنساء ذوات الوجوه الصغيرة، لكنه لا يضمر شيئاً ضدهن. يتشاجر عامل في «الحديث عن زوجتي» مع مديره ويطرد، ويعود باكراً من نوبته الليلية. يحار كيف يخبر زوجته، وعندما يفعل ترفع رأسها «لتحدّق فيّ بثبات من دون أن تبتسم. قبّلتها على جبينها وأمسكت ذقنها بيديّ وأنا أحني رأسي لأقبلها على فمها. كانت دائماً هادئة ساكنة، لكنني لم أستطع إطلاقاً أن أقول لها ذلك إطلاقاً». في «مستقبل صعب يا رفيق» يذهب رجل الى دائرة الضمان حيث يخبرونه أن عليه قطع رجله. ينتظر الراوي المحتضر في « كما لو أتت من لا شيء» إطلالة الممرّضة الجميلة لكي تجري الحياة مجدّدا في عروقه. تستنفر جسده ويحس بشهوة حاسمة، شهوة الحياة التي تتسلّل خارجه. يعرف المريض، الذي قد يكون جاره مصابا بالسرطان، أن الأمر لا يتعلق بامرأة معينة، بل بأي أنثى تثير غريزة البقاء. يرى شارب في الحانة رجلاً ينهر زوجته، ويتساءل لماذا لا يهتم أحد غيره بالمرأة المعنّفة. يدين كلمان الاهتمامات اليومية على حساب الظلم والعنف في العالم:» ألستر (إرلندا الشمالية) فلسطين أو ماذا، العراق؟ آه، نعم. أمام فريق سلتيك مباراة صعبة هذا السبت، لكن خصم فريق ربنجرز سهل.ماذا عن فريق ليفربول؟ في الوقت نفسه ترتكب المذابح». يتحلّق فقراء في قصة «الرجل الثالث أو الرابع» حول النار ويتبادلون البوح كأنهم في حال انتظار بيكيتية لمعنى وجودهم. في قصة أخرى يسمع أحدهم تعبير «الناس الملونون» على التلفزيون، ويقول انه أبيض، فهل يعني ذلك انه خفي؟ تقطع رجل شخص مشرّد وتزداد مرارته عندما تعطيه منظمة أوكسفام الخيرية سروالاً قصّت رجله الخطأ. يتوقف كلمان عند عبث الحياة اليومية وتكرارها وفقدانها المعنى، ويبدي قلة احترام للعقدة القصصية. نال جائزة بوكر في 1993 عن « كم تأخر الوقت، كم تأخر» التي دوّنت تجربة سجين سابق مع نظام الرعاية الصحية الذي يفترض به مساعدته على النهوض مجددا. حوت أربعة آلاف شتيمة فقال ناقد إنكليزي انه أحس لدى قراءتها بأنه علق في مقصورة قطار مع مخمور سكوتلندي. ترك المدرسة في الخامسة عشرة، وكتب خصوصاً عن أصحاب الياقة الزرقاء في غلاسغو، سكوتلندا. لا يزال حاقداً على «البورجوازيين مصّاصي الدماء» وبرامج التلفزيون عن الطبقة الوسطى في نيويورك، والأثرياء الممتلئي الجسم والبدينين الذين يأكلون الجبنة الزرقاء المستوردة من جبال الألب الفرنسية. حزيران النكبة روت هلن دنمور في «الحصار» قصة عائلة واجهت الموت والجوع والاعتقال أثناء حصار ليننغراد الذي بدأ في 1941 ودام 872 يوماً، وتابعت الناجين منه في «الخيانة» الصادرة أخيراً عن دار بنغوين. تبدأ الأحداث في 1952 قبل عام من وفاة جوزف ستالين، وتشير العبارة الأولى في الرواية الى أهوال مقبلة. «إنه صباح حزيراني منعش، يشوبه القليل من الرطوبة، لكن روسوف يتعرّق». يدخل مسؤول كبير في الشرطة السريّة ابنه الوحيد المستشفى. كان مصاباً بسرطان في رجله، وأدرك الطبيب أن لا بد من قطعها. يجبن ويورّطزميله أندريه ليفين مع أن هذا لم يكن أخصائيا في السرطان. احتفظ أندريه وزوجته آنا بالشقة الكبيرة التي تحملوا فيها الحصار، لكنهما قد لا ينجوان من غضب فولكوف إذا لم يشف ابنه. يصاب أندريه بالذعر كلما واجهه، لكنه يتمكّن من إقناعه بإجراء الجراحة. ينتشر المرض بعد قطع الرجل، وينهار حس الطبيب الهش أصلاً بالأمان. كانت السلطة منعت والد آنا من نشر كتبه فخبأت المخطوطات في تراب الحديقة، والتزمت مع أندريه الحذر الممضّ لحماية الأسرة الصغيرة التي ضمتهما مع شقيقها كوليا. تحس في بداية الرواية بتوسّع يشبه قدوم الربيع، وتشمئز «حتى الموت من كونها جدية ويقظة وخائفة. هي في الرابعة والثلاثين، والحياة تعبر بسرعة الى درجة ستصبح معها في وسط العمر قبل أن تلتفت». أرهقتها مراهقة كوليا المضطربة، وترغب الآن في الإنجاب بعد أن نضج واستعد لدخول الجامعة. تعمل معلمة في حضانة، وتريد مع أندريه أطفالاً لا يعرفون الجوع إلا في الكتب. حين تستعد لحفلة المستشفى، يبهجها «ملمس الفستان الذي لم يحدث فيه شيء بعد، ولذا تشعر لبرهة ان كل شيء ممكن الآن». يشوب الترقّب المسالم شبه السعيد في الفصل الأول التحضير للخطر القادم من المشهد السياسي. حوى هذا رجلاً واحداً أرعب الاتحاد السوفياتي ببطشه واستخباراته. نظّم ستالين حملات «تطهير» طاولت أطباء بارزين اتهموا بالتآمر لقتل زعماء الحزب. أرسلوا الى معسكرات الأشغال الشاقة وأعدموا، وتبيّن لاحقا أن التهم فبركت ضدهم. ترتكز «الخيانة» الى البحث العميق في التطور الطبي والحقبة التاريخية وعمل المستشفى والبيروقراطية السوفياتية. وتهتم دنمور ببناء الشخصيات والاحتفاظ بالتفاصيل الصغيرة التي تحييها. بعد لقاء عنيف بين آنا وشرطي من الاستخبارات تنحني يائسة على المجلى وتلاحظ دائرة وسخ أسود على الحنفية. حتى وسط رعبها تفكر بحياتها العادية، وتقول ان الوسخ لا يظهر إلا من عل، وأن عليها التنظيف بعناية أكبر من الآن وصاعداً. كتبت دنمور (58 عاماً) الشعر منذ أوائل عشريناتها، وأتبعته بالقصص وكتب الأطفال. في الأربعين نشرت روايتها الأولى «زينور في الظلمة» التي سجّلت فيها حياة د ه لورنس وزوجته الألمانية فريداً في الحرب العالمية الأولى في ساحل إنكلترا الغربي الجميل. كتب «نساء عاشقات» وسط جو عدائي تسبّبت به جنسية فريدا، وشغل نفسه بزرع الحديقة والغسل والكوي، قم كره إنكلترا وغادرها. تناولت روايتها الثانية «فترة شتاء» حب المحارم والجنون، وكوفئت بجائزة أورانج النسائية في سنتها الأولى، وباعت «الحصار» مئة ألف نسخة. نالت قصيدتها «المالاركي» جائزة مسابقة الشعر الوطنية أخيرا، وتناولت أطفالا رحلوا. تهجس بفقدان الأطفال وتتغزل بالطعام الذي تشكّل الكتابة عنه بحب «أكثر أنواع البورنوغرافيا براءة». ذاكرة الصور استوحت ماغي أوفاريل روايتها الخامسة «اليد التي أخذت بيدي أولاً» من صور التقطها جون ديكن لكتّاب الخمسينات والستينات وفنانيها في محلتهم الشهيرة سوهو في لندن. شاهدت الكاتبة السكوتلندية المعرض مراراً واشترت الكثير من البطاقات البريدية منه، وشيئا فشيئا تبلور كيان الرواية وجوها بين خمسينات القرن الماضي والحاضر. بطلة الرواية الصادرة عن «هدلاين رفيو» شابة ضجرة في الواحدة والعشرين، تخرّجت حديثاً من الجامعة وانتظرت بلهفة أن تبدأ حياتها وتتلون. تلتقي في يوم صيفي لندنيا بوهيميا أكبر سنا تعطلت سيارته في درب في ديفون على الساحل الغربي. تهرب من جو الأسرة الخانق معه الى سوهو حيث تعمل عشيقة ومساعدة له في المجلة الفنية الطليعية التي يرئس تحريرها. تبقى علاقتها به متينة رغم تهديد زوجته بالانفصال وثورة ابنته، وتتحول الشابة الريفية صحافية رائدة تنجب من دون زواج، وتعيش خارج الروابط والتقاليد. تنجب إيلينا طفلها الأول في عملية قيصرية مؤلمة، وتعاني الهلوسة والعزلة، وتفقد حسّها بذاتها. تد أيضاً يصاب فجأة بنوبات ذعر، ويشاهد صوراً من الماضي لا تتفق مع رواية والديه للأحداث في طفولته. يستيقظ فضوله فجأة أزاء جذوره، وتتوتر علاقته بوالديه وإيلينا المتوترة أصلاً بفعل الإنجاب، ويتضح رابط الحاضر بالخمسينات وشخصياته على نحو تراجيدي.