«المصريون توّاقون إلى التغيير... ونحن نسعى إلى أن يكون للناس القدرة على الاختيار». هكذا تحدث الناشط المعارض عبدالرحمن يوسف عن حملة دشّنها نشطاء معارضون قبل نحو شهرين تحت عنوان «دعم ومساندة الدكتور محمد البرادعي»، مضيفاً أن «الأيام الماضية أثبتت أن المصريين ضاقوا بسياسات النظام القائم ويتطلعون إلى مستقبل أفضل». قبل نحو خمسة أشهر كان المصريون يحتارون في اختيار أولوياتهم: الديموقراطية أم الخبز ... أيهما يقود إلى الآخر؟ ومع هبوط طائرة المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي في مطار القاهرة منتصف شباط (فبراير) الماضي وتشديده على أن التغيير السياسي هو مفتاح لتغيير جوانب الحياة كافة، باتت شهية المصريين أكثر انفتاحاً على قبول التعاطي مع العمل السياسي ومعطيات التغيير. وقد اعتمد البرادعي في نشاطه خلال الشهور الأخيرة على نشاط الشباب لجهة تأكيد مقربين منه أنه «لا يثق في النخبة المصرية بقدر ثقته في الشباب للدفع بعجلة التغيير والإصلاح». وبدأت في الشهور الأخيرة تحركات شعبية تهدف إلى جمع توقيعات يفوّض المصريون فيها الدكتور البرادعي العمل على «إجراء تعديلات دستورية وقانونية تؤمن قيام ديموقراطية على قواعد سليمة». ويوضح الناشط المعارض عبدالرحمن يوسف وهو المنسق العام ل «الحملة الشعبية لمناصرة ودعم البرادعي» ل «الحياة»: «لدينا الآن نحو 15 ألف ناشط متطوع. هؤلاء ينشطون في دوائرهم ومحيط معارفهم لإقناع الناس بأهمية التغيير ... لكن نحن حريصون على عدم النزول إلى الشارع والالتقاء بالناس حتى لا يؤدي الأمر إلى مجابهات مع الشرطة». ويمضي يوسف قائلاً: «نشاطنا الآن مقصور على دوائر الأصدقاء والأقارب وزملاء العمل ... لكن في مرحلة مقبلة من الممكن أن ننزل إلى الشارع». ويشير إلى «أننا تمكنَّا حتى الآن من جمع نحو 70 ألف توقيع على بيان التغيير»، في إشارة إلى البيان الذي أطلقه الدكتور البرادعي لدى عودته إلى البلاد وحدد فيه شروطه لخوض غمار الانتخابات الرئاسية التي تجرى في خريف السنة المقبلة. وفي غضون هذا النشاط، فإن ثمة تغييراً طرأ على المشهد السياسي المصري في أعقاب انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشورى، والتي أجريت مطلع الشهر وأفرزت اكتساح الحزب الوطني (الحاكم) غالبية المقاعد (80 مقعداً من إجمالي 88 مقعداً تم التنافس عليها). إذ بدا خلال الأيام الماضية أن هناك رغبة ملحة في التنسيق بين المعارضة بأطيافها كافة قبل اقتراب موعد انتخابات مجلس الشعب نهاية السنة، في حين ارتفعت نبرة الحديث خلال الأيام الأخيرة عن مقاطعة أحزاب المعارضة لذلك الاستحقاق (مجلس الشعب) في حال عدم ضمان نزاهته. أما على صعيد التحركات التي يجريها الدكتور البرادعي، فبعد قرابة أربعة أشهر على بدء الحراك السياسي الذي حدث في أعقاب وصوله إلى مصر وبدء جولاتِه ومخاطبته الرأي العام المصري، يبدو أيضاً أن ثمة تغييراً قد يطرأ على نشاط البرادعي وسياساته خلال المرحلة المقبلة. إذ بدا أن البرادعي سيسعى خلال المرحلة المقبلة إلى «الانفتاح أكثر على أحزاب المعارضة». وكان اللافت خلال مؤتمر عُقد أول من أمس في حزب الجبهة الديموقراطية أن البرادعي أكد أن الأحزاب المصرية جزء من العمل الوطني، مشيراً إلى أنه «ليس على خلاف مع الأحزاب الموجودة ... لكنني أطالب بالانتقال من النظام السلطوي إلى النظام الديموقراطي»، ما يُظهر مساعيه إلى خطب ود الأحزاب السياسية في مصر لدعم مطالبه الإصلاحية بعدما تمكّن من الحصول على دعم واضح من جماعة «الإخوان المسلمين». ولم يستبعد البرادعي نفسه أن يغيّر منهجه في العمل في حال فشلت التحركات التي يجريها في تحقيق الإصلاح، إذ أكد في تصريحات صحافية «أن لديه عدداً من الاستراتيجيات والسبل»، لكنه قال في الوقت ذاته «إن لكل مرحلة سياساتها». والتقى البرادعي أول من أمس برئيس حزب الجبهة الديموقراطية الدكتور أسامة الغزالي حرب وبحثا في تكثيف التحركات التي تهدف إلى الضغط على النظام لإنجاز استحقاقات الإصلاح السياسي والانتقال بالبلاد إلى مرحلة الديموقراطية التي تقوم على أسس وقواعد دستورية وقانونية سليمة. ودافع رئيس حزب الجبهة الدكتور أسامة حرب عن اعتماد حزبه على الشباب «كونهم التعبير الحقيقي عن الشعب المصري». وقال في كلمة افتتاحية في اللقاء مع البرادعي «إن حزب الجبهة قبِل الدخول والاستجابة للمرحلة الراهنة والتحديات التي تواجه مصر على رغم أنه لا يزال حزباً وليداً؛ بل إنه عادة ما يدرج مع أحزاب الوفد والتجمع والعربي الناصري». وعبّر حرب عن ترحيبه بدعوة البرادعي إلى التغيير قائلاً إن «الصوت المخفي للشعب المصري وقف في مواجهة حملات تشويه صورة البرادعي». ودعا حرب إلى أن يدرك البرادعي «حجم المشكلات التي تمر بها مصر والمخاوف التي نشعر بها جميعاً؛ وإنه لا بد من التكاتف لنكون مستعدين لتطورات يمكن أن يفاجأ بها الشعب المصري». واستقبل عدد كبير من أعضاء حزب الجبهة البرادعي في أول زيارة له لأحزاب المعارضة بالتصفيق الحاد داخل القاعة الرئيسية للحزب. وأكد البرادعي في كلمة ترحيبه بكل مصري يعمل من أجل التغيير، مشيراً إلى أن الأحزاب المصرية جزء من العمل الوطني. وقال: «لست على خلاف مع الأحزاب الموجودة؛ لكنني أطالب بالانتقال من النظام السلطوي إلى النظام الديموقراطي». وأضاف: «لدينا مشكلة وهي كيف نحرّك التعاطف الشعبي مع التغيير إلى حراك سياسي»، معتبراً أن السبب في حالة اليأس التي تسود الشعب ترجع إلى «الأساليب غير الإنسانية التي يتعامل بها النظام مع الشعب المصري». وقال: «يبقى السؤال: كيف نصل بالشعب إلى أن يقتنع بأن قوتنا في عددنا مهما كانت سلطة النظام لأنه لن يستطيع حجب إرادة 80 مليون مصري». وعاود البرادعي تأكيده أنه «ما لم يتحرك الشعب لن يحدث التغيير»