أجرت الخرطوم أمس اتصالات رفيعة المستوى مع القاهرة لاحتواء «سوء فهم» بسبب انتقاد وزير الخارجية السوداني الجديد علي كرتي دور مصر في قضايا بلاده، وطلب وزير الخارجية المصري توضيحات عن ذلك عبر سفير بلاده في الخرطوم. وقال مسؤول سوداني رفيع المستوى ل «الحياة» ان كرتي تحدث في ندوة في الخرطوم عن «تقرير المصير: الحق والواجب» قبل يوم من أدائه اليمين الدستورية «ولم ينتقد مصر، إنما رأى أن دورها ينبغي أن يكون أكبر، خصوصاً في ما يتصل بوحدة السودان وتقرير مصير الجنوب عبر الاستفتاء المقرر العام المقبل». وأكد أن حديث الوزير «أسيء فهمه وفسر على نحو غير صحيح». وأضاف أن العلاقات بين الخرطوموالقاهرة «قوية ومتطورة، وكل قنوات التواصل السياسية والديبلوماسية سالكة وهناك مشاورات مستمرة وزيارات متبادلة على أعلى المستويات، والسودان يتطلع إلى علاقات استراتيجية بين البلدين لما فيه مصلحة الشعبين»، مشيراً إلى أن «الأمن القومي للدولتين مرتبط بما يحدث في أي منهما». وكان وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط كلّف سفير بلاده في الخرطوم الاستفسار من الخارجية السودانية عن حقيقة تصريحات كرتي عن الدور المصري في قضايا السودان. وقال الناطق باسم الخارجية المصرية السفير حسام زكي إن «مصر تقف بجانب السودان في قضاياه كافة، وتحرص دائماً على تحقيق التوافق الداخلي بين مختلف القوى السودانية، وترتبط بعلاقات وثيقة مع تلك القوى في ضوء سياستها المتوازنة تجاه مختلف الأطراف، كما تحرص على دعم جهود تحقيق الاستقرار والتنمية في مختلف ربوع السودان الشقيق، من دون هدف أو غاية بخلاف اقتناعها بأن هذا بحد ذاته يحقق مصلحة السودان والأمة العربية والمنطقة». وأشار إلى أن «العلاقات المصرية - السودانية تتسم بالخصوصية الشديدة في ضوء ارتباط المصالح الإستراتيجية بين البلدين ووحدة المصير»، موضحاً أن «هناك تنسيقاً وتشاوراً مستمراً على مستوى قيادات البلدين في ما يتعلق بمختلف قضايا الشأن السوداني، وأن هناك إدراكاً لدى مسؤولي البلدين لعمق ومتانة العلاقات التي تربط بينهما، وتقديراً من جانب المسؤولين السودانيين لأهمية الدور المصري في دعم السلام والاستقرار والرخاء والتنمية للشعب السوداني». وكان كرتي وجه انتقادات شديدة إلى مصر و «دورها الضعيف» تجاه قضايا سودانية مؤثرة في العمق الإستراتيجي لها. وقال إن «هذا الأمر يكشف تواضع معلوماتها عن تعقيدات الحياة السياسية في السودان». وهاجم كرتي في أول حديث له بعد اختياره وزيراً للخارجية دولاً أفريقية قال إنها «تحفز الجنوبيين على التصويت للانفصال، فيما تراجعت دول أخرى عن مواقفها الداعية للانفصال خشية تكرار سيناريوات مماثلة في بلدانها». ودعا حكومته إلى «الإسراع باتخاذ خطوات عملية وحاسمة تجاه القضايا المتعلقة بتقرير مصير الجنوب قبل إجراء الاستفتاء». وانتقد كرتي الذي كان يتحدث في ندوة في الخرطوم تعامل مصر مع ملف السودان، وقال: «ظللنا نشكو ضعف معلومات مصر عن الحياة السياسية في السودان وتعقيداتها... ودورها لا يزال متواضعاً تجاه قضايا مهمة تؤثر في العمق الإستراتيجي لها». وأبرزت صحف قريبة من الحكومة تصريحات كرتي. إلى ذلك، رفضت «الحركة الشعبية لتحرير السودان» التي تحكم إقليمجنوب السودان مقترحاً من شريكها في الحكم «حزب المؤتمر الوطني» بإدخال تعديلات على قانون استفتاء الجنوب تقضي بإشراك شرطة الأممالمتحدة في عملية تأمين عملية الاستفتاء إلى جانب شرطة حكومة الجنوب وقوات الأمن القومية. ورفع الشريكان اجتماعات مشتركة في الخرطوم وقرروا معاودتها الخميس المقبل في جوبا عاصمة الجنوب لتسوية القضايا العالقة المرتبطة بالاستفتاء. وقال وزير الخارجية السابق القيادي في «الحركة الشعبية» دينق ألور إن اجتماعاً بين شريكي الحكم لم يفلح في حسم مشاركة الأممالمتحدة في الاستفتاء المقبل. وكشف عن اتفاق مبدئي بين الطرفين على إشراك المنظمة الدولية جزئياً في الاستفتاء. وقال إن «المؤتمر الوطني يرى أن من الممكن تعديل قانون الاستفتاء لتكليف الأممالمتحدة بتأمين الاستفتاء. ونحن نرفض أية تعديلات»، لافتاً إلى أن «التأمين من مهمات شرطة الجنوب وعناصر الأمن القومي في الجنوب، وفي الخرطوم للشرطة القومية وعناصر الأمن القومي». وأضاف أن «الطرفين اتفقا على إجراء اتصالات منفصلة مع الأممالمتحدة للوقوف على رأيها في ما يمكن أن تقدمه من تعاون في شأن الاستفتاء». وتوجه أمس إلى أثيوبيا وفدا «الحركة الشعبية» و «المؤتمر الوطني» لإجراء محادثات برعاية الاتحاد الأفريقي في شأن ترتيبات ما بعد الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب. ويشارك في المحادثات التي ستجرى في منطقة ماكلي القريبة من العاصمة أديس أبابا، الأمين العام ل «الحركة الشعبية» باقان اموم ونائبه ياسر عرمان ووزير «الجيش الشعبي» في حكومة الجنوب نيال دينق نيال، ووزير رئاسة مجلس الوزراء لوكا بيونق والقياديان في الحركة كوستا مانيبي ودينق الور، وعن «المؤتمر الوطني» نائب رئيسه نافع علي نافع وسيد الخطيب ومختار محمد حسن وادريس عبد القادر والفريق صلاح عبدالله ومطرف صديق. من جهة أخرى، أعلن الجيش السوداني أمس أن قوة سودانية - تشادية مشتركة حررت سويسرياً يعمل موظفا في منظمة «أوكسفام» الخيرية البريطانية خطفته مجموعة مسلحة قبل أسبوعين من مدينة ابيشي التشادية. وقال الناطق باسم الجيش السوداني المقدم الصوارمي خالد سعد إن «الخاطفين كانوا يطالبون بفدية لإطلاق سراح الرهينة، لكن القوات المشتركة تمكنت من إلقاء القبض على المجموعة التي تتألف من تشاديين وبحوزتها سيارتين تستعملان في عمليات السلب والنهب وقطع الطريق». وأضاف أن القوات المشتركة «ألقت القبض أيضاً على 17 عصابة تعمل في السلب والنهب في الحدود السودانية - التشادية، وأعادت الممتلكات المنهوبة إلى أهلها»، مشيراً إلى أن «الإجراء المتبع في مثل هذه الحالات يقضي بتسليم المجرمين إلى بلدانهم، تشاديين كانوا أم سودانيين». وكان مسلحون خطفوا الموظف الذي يحمل الجنسيتين السويسرية والبريطانية في السادس من حزيران (يونيو) الماضي عندما كان خارجاً من مطعم في مدينة ابشي شرق تشاد التي تتمركز فيها منظمات غير حكومية ووكالات تابعة للأمم المتحدة لمساعدة لاجئي دارفور والنازحين التشاديين. وكان الموظف بصحبة زميل كونغولي وسائقه التشادي اللذين أفرج عنهما الخاطفون على بعد 70 كلم شرق ابشي قرب الحدود مع السودان.