أظهر الاقتصاد الألماني مناعة وصموداً لافتين، على رغم استمرار أزمتي المال العالمية واليورو الناتجتين عن شبه إفلاس اليونان، والعجز الذي تسجله دول في منطقة اليورو. وسجّل المكتب الاتحادي للإحصاء في فيسبادن في تقدير أولي، «نمواً بمعدل 0.2 في المئة في الربع الأول من السنة، زيادة عن الربع الأخير من العام الماضي، حيث بلغ النمو 2 في المئة». في حين توقع معظم الخبراء حصول «ركود في الفترتين، بل نمواً سلبياً»، وفق استطلاع أجراه القسم الاقتصادي في وكالة «رويترز». ولا يستبعد اقتصاديون مثل خبير مجموعة «سيتي غروب» يورغن ميشلس، ارتفاع النمو في الربع الأول إلى 4 في المئة في تقدير لاحق لمكتب الإحصاء. وفيما رجح معهد البحوث الاقتصادية «دي إي في»، تحقيق نمو بمعدل 0.75 في المئة في الربع الثاني من السنة، أعلن اتحاد غرف التجارة والصناعة الألمانية «ترقّب معدل 1.2 في المئة». وفي مجال سوق العمل، لفتت النشرة الاقتصادية الشهرية الصادرة عن غرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية (الغرفة)، إلى عدم تواني البعض حتى عن الحديث عن «استمرار أعجوبة فرص العمل»، خصوصاً بعدما واصلت البطالة تراجعها (من 3.4 إلى 3.24 مليون شخص»، بدلاً من الارتفاع أو المراوحة على الأقل في ظل استمرار أزمتي المال واليونان وغيرها. وكانت البطالة انخفضت في آذار (مارس) بالنسبة ذاتها أي بنحو 162 ألفاً، وهبط معدَّلها من 8.5 قبل شهرين إلى 7.8 في المئة». وأشار رئيس الوكالة الاتحادية للعمل فرانك يورغن فايزه، إلى أن الطلب على اليد العاملة «ازداد في شكل ملموس في البلاد في قطاعات المطاعم والفنادق وتجارة التجزئة والصحة». وأوضح أن السوق «تمكَّنت من فكّ رباطها مع الوضع الاقتصادي المبلبل». وعلى رغم ذلك، حذّر رئيس الوكالة كما وزيرة العمل أورسولا فون دير لاين، «من الإفراط في التفاؤل» لأن ملامح المنحى العام للتطورات المالية والاقتصادية «لا تزال غير واضحة». وعزت المستشارة أنغيلا مركل التطور الإيجابي في سوق العمل «إلى آلية الدوام الجزئي التي أثبتت فاعليتها خلال الأزمة»، فيما رأى خبير مؤسسة «بوست بنك» هاينريش باير، استمرار «أعجوبة تؤمّن فرص العمل الألمانية، وهو تطور مثير جداً بعد كل الذي حصل للاقتصاد». وتوقَّع الخبير المالي لوتار هسّلر، أن ينخفض مستوى البطالة هذه السنة في شكل لافت عن مستواه عام 2009». وذكر كبير خبراء «كوميرتس بنك» يورغ كرامر، أن «الشركات الألمانية الكبيرة، مثل «سيمنز» و«بي إس إف» و «باير» وغيرها المسجلة في «مؤشر داكس» في بورصة فرانكفورت، أعلنت عن أرباح أعلى من التوقعات»، وأوضح أن ذلك «أعطى أملاً في قدرة الاقتصاد الألماني على تحقيق انتعاش يماثل ذروة الانتعاش السابقة بأسرع من المرتقب». وعزا الخبير السبب إلى «التعامل التجاري مع دول صاعدة عملاقة مثل الصين والهند والبرازيل». ولاحظ أن الشركات الألمانية «تستفيد من معدلات النمو المرتفعة التي تحققها هذه البلدان وتسمح لها بشراء المنتجات الألمانية العالية النوعية والتكلفة أكثر من السابق». يُذكر أن شركات ألمانية كثيرة سارعت خلال الأزمة الدولية إلى ممارسة نهج تقشف وخفض تكلفة جانبية للإنتاج، ما جعلها تحقق حالياً أرباحاً أعلى، على رغم الارتفاع البطيء في مبيعاتها. وأكَّد كرامر أن النمو في ألمانيا «يتصاعد ببطء، لكن وتيرته أسرع منها في دول منطقة اليورو». ومن المؤشرات الإيجابية في هذه المجال، عودة الثقة في شكل متزايد إلى سوق الإقراض والتسليف في القطاع المصرفي، فتراجعت شكوى الشركات التي لا تزال تعاني من معوقات في الاقتراض، من 42 إلى 36 في المئة الشهر الماضي. وفي مجال الصادرات الألمانية، أعلن المكتب الاتحادي للإحصاء زيادتها في آذار الماضي مقارنة بشباط (فبراير) قبله، للمرة الأولى منذ 18 سنةً. في حين كان محللون يرتقبون زيادة من 2.6 في المئة فقط. وبلغت قيمة الصادرات الألمانية في آذار 85.6 بليون يورو في مقابل 68.4 بليون واردات، بفائض 17.2 بليون يورو لمصلحة ألمانيا. ولم يستبعد العاملون في القطاع «تسجيل مزيد من التحسن في الصادرات في الأشهر المقبلة». وحقّقت الصناعة التحويلية في ألمانيا في الشهر ذاته، وبعد شتاء قاسٍ، قفزة في الإنتاج بلغت 4 في المئة، وفق إعلان وزارة الاقتصاد، مع العلم أن المراقبين كانوا ينتظرون زيادة 1.7 في المئة فقط.