أشعر بأن إسرائيل تعيش السنوات نفسها التي سبقت سقوط النظام العنصري في جنوب أفريقيا الأبارتهيد، وقد كتبت غير مرة عن الموضوع وجاء الهجوم على أسطول السلام ليسرّع حملات عزل إسرائيل كدولة خارجة على القانون الدولي وعلى أبسط قيم الإنسانية. مقاطعة جنوب أفريقيا بدأت بين جماعات السلام ومنظمات حقوق الإنسان، وشملت مقاطعة أكاديمية ثم اقتصادية، وانتهى نظام بريتوريا وليس له حليف في العنصرية سوى إسرائيل، فهي تقتل الفلسطينيين وهو يقتل السود، وفي النهاية سقط النظام العنصري كبيت بني على الرمل. إسرائيل بنيت على خرافات توراتية ولصوصية مستمرة وقتل وتدمير وتشريد لأصحاب الأرض، وما كان لها أن تستمر هذا الوقت كله لولا الاتجار بالمحرقة وشعور الغرب المسيحي بالذنب إزاء اليهود الذين قتلهم ثم أتاح للناجين أن يرتكبوا بحق الفلسطينيين الممارسات النازية نفسها التي تعرضوا لها. وهكذا كان أن تابعت منذ سنوات مقاطعة أكاديمية لإسرائيل ونشاطاً في كل حرم جامعي من أوروبا الى أميركا ضد الزوار الإسرائيليين وبعضهم جزء من وفود رسمية ورجال علاقات عامة مهمتهم الكذب وتزوير الحقائق. وفي حين كانت إسرائيل تعتمد على تبشيريين مسيحيين من نوع الأصوليين المتطرفين عندنا، فقد قامت في بعض الكنائس المسيحية حركات واعية تدرك حجم الجرائم الإسرائيلية، وقاطعت كنائس بروتستانتية أميركية إسرائيل وسحبت استثماراتها منها وأمرت أتباعها بعدم الاستثمار في إسرائيل. اليوم تواجه إسرائيل حملة BDS، والحروف مأخوذة من كلمات بالإنكليزية تعني مقاطعة وسحب (أو منع) الاستثمار وعقوبات، أي ما واجهت جنوب أفريقيا تماماً حتى سقط النظام العنصري. ليس بسيطاً أن أكبر نقابة عمالية في بريطانيا، البلد الذي اخترع نقابات العمال، وهي «يونايت» تصوّت بالإجماع على مقاطعة إسرائيل. والقرار حضَّ النقابة على مقاطعة أي استثمار في الشركات الإسرائيلية، فكان كمقاطعة النقابة نفسها جنوب أفريقيا قبل ذلك، وعلى استضافة مؤتمر للنقابات العمالية هدفه نشر مقاطعة إسرائيل، وفي الوقت نفسه استضافة «مؤتمر فلسطين» لدعم حقوق الفلسطينيين. في الوقت نفسه كان اتحاد الجامعات والكليات البريطانية، وهو أكبر اتحاد أكاديمي من نوعه في البلاد ويضم 120 ألف عضو يصوّت على استضافة «مؤتمر فلسطين» بدوره، ويطلب قطع العلاقات مع الهستدروت، ويحض كل النقابات الأخرى على أن تحذو حذوه. وقال البروفيسور توم هيكي من جامعة برايتون الذي قدم القرار أن الهستدروت أيّد قرار الحرب على قطاع غزة سنة 2008 - 2009 ولا يستحق اسمه كنقابة عمالية. وحاول أنصار إسرائيل وقف القرار وفشلوا. في أستراليا على الجانب الآخر من العالم حضَّ الكاتب جون باسانت المجلس الأسترالي لنقابات العمال على مقاطعة إسرائيل. وفي السويد أعلنت نقابة عمال الموانئ مقاطعة السفن والبضائع الإسرائيلية بين 15 و24 من هذا الشهر. وقرأت أخباراً إسرائيلية تقول إن أشدَّ الحملات النقابية ضد إسرائيل هي في بريطانيا والبلدان الاسكندينافية. بل إن نقابة الأكاديميين البريطانيين دعت بونغاني ماسوكو، السكرتير الدولي لمؤتمر نقابات جنوب أفريقيا، لشرح حملة المؤتمر ضد إسرائيل. واحتج أنصار إسرائيل في النقابة البريطانية بشدة على دعوته، إلا أنهم فشلوا رغم أن ماسوكو شن حملة على رجال الأعمال والشركات الجنوب أفريقية التي تؤيد إسرائيل وطالب بطرد مؤيديها من جنوب أفريقيا. الدعوات لمقاطعة إسرائيل، كما قلت في البداية، موجودة منذ سنوات، غير أن حكومة إسرائيل بهجومها البربري على طلاب السلام نزعت شرعيتها بيديها فكان أن رأينا تعاظم الحملة ضد النظام العنصري الإسرائيلي الذي خلف حليفه في جنوب أفريقيا كآخر نظام عنصري في العالم. في إسرائيل مجلة اقتصادية اسمها «ماركر» تحصي خسائر المقاطعة، وهي وبخت إيلي يشاي، وزير التجارة والصناعة، بعد أن طلب من الجيش الإسرائيلي تدمير مئة بيت في غزة مقابل كل صاروخ يطلق على إسرائيل. موقف يشاي، زعيم شاس، هو نازي مئة في المئة، والمجلة قالت إن الوزير لا يدرك حجم الضرر الذي لحق بالمنتجين والمصدّرين الإسرائيليين نتيجة لسياسة الحكومة. المقاطعة شملت فرق كرة وموسيقيين وفرقاً فنية، والمهم أن تستمر لتنجح، مع إدراكي أن لإسرائيل وأنصارها، من ليكوديين ولوبي وميديا عميلة، قدرات لم تكن متاحة لجنوب أفريقيا البيض. [email protected]