ليس لنقص في الأفكار حين أكتب عن حادثة الاعتداء على مؤذن مسجد وإمامه بتهديدات وصلت في المجمل إلى السب والشتم والتهديد بالقتل، على اعتبار أن مثل هذه القضايا - بوجهة نظر قارئ - عابرة ستلاحقها الجهات الأمنية ولا تستحق منا إشارة أو التفاتة، فهي رد فعل شخصي على خلاف شخصي، وهذه قراءة خاطئة ناقصة عاجلة ستضعنا يوماً ولو طال في مأزق، ولا أعرف عن الإمام والمؤذن إلا ما تابعته ورقياً عنهما والنصوص التي تلقياها عبر هواتفهما وذلك لئلا تصنف هذه الكتابة بالشخصية المستندة على معرفة. الذهاب نحو هذه القضية بالنقاش لكيلا تصل بمعية السكوت والتجاوز إلى ظاهرة عامة يعالج بها المتخلفون ما في أنفسهم ويقلقون مجتمعهم ويذهبون به إلى حالات شك وفزع متواصلة، والعبور السريع من على هذه القضية أيضاً وما شابهها سيجعلها مع مرور الزمن، وتكرار العمل، قضية مألوفة لا تتجاوز تبريراتها عن كونها مجرد عبث صبياني أو مراهق لم تُدْرَك أبعاده، لتوضع بالتدريج كل أوراق القضية في أقرب ملف في الزاوية للإغلاق والطي. جرأة التهديد والتوعد يجب أن يقابلها قوة في العقاب وطاولات طويلة من التحقيق حتى يعرف المتسبب ومن وراءه أن عمله طائش متهور وخطأه أبعد من مسألة رص أحرف عدة وكتابة همجية فارغة هدفها زعزعة الأنفس، وإقلاق المجتمع. لن يقدم على عمل كهذا إلا جبان مجهول أو متطرف مجنون وإلا ما الذي يدفع شخصاً لتهديد إمام أو مؤذن أو مواطن عابر ليصل التهديد في جزء منه إلى القتل وبسهولة مطلقة وتهميش الدية الناجمة عن القتل؟ للثقة في أن هناك في الخلف من سيجمع الوجوه والوجهاء ويزعج العالم من أجل دفعها. ربما يأتي من يقول بأن ما حدث بين أطراف قضية كهذه لا يعدو كونه خلافاً شخصياً، أو نزاعاً على مصالح شخصية، ولست بصدد نقاش سبب الخلاف إنما مستاء وخائف من كيفية علاج هذا الخلاف وطريقة التفكير التي توصل لها أحد طرفيه. ما يحدث - وإن غضبنا – بمثابة جرس إنذار بأن هناك فئات مستترة لديها الاستعداد للقيام بعمل ما يحلو لها لأن العقاب يأخذ مستويات ودورة زمنية طويلة تنتهي ب «حب الخشوم» والشفاعات والوساطات الشعبية والقبلية، وننسى أن تصرفات كهذه تشكل انحداراً خطراً في سلوكيات المجتمع لا بد من مقابلته بالدراسة والبحث والاستقصاء ومعرفة أسبابه والمضي نحو خطوات العلاج بغض النظر عن الكلفة ومنشأ الجرأة. أعود للنقطة الأهم وهي أن «سبب الفعل» لا يعني التبرير مطلقاً، فلا يمكن تبرير الفعل استناداً على السبب، لأن بالتسليم والاقتناع بالسبب سنبرر للفاعل وللمجتمع الذي يتابع الفعل كل ما يحدث من كوارث، ونميع كل التصرفات والأفعال الجبانة الطائشة ونركب ظهور التصرفات كما لو كانت طبيعية عادية في مجتمع لم يعتد عليها. أعود وأقول: رسائل التهديد جبانة وتصرفات مشابهة لها لا يمنعها إلا رادع قوي، وبحث جاد عن شرارة الفكرة والهدف منها، قضايا التهديد موجعة ومخيفة فربما تصل لخط التنفيذ في ظل أن الفاعل مستتر مجنون أو مدعوم حتى «بالدية» وإلا ما الثقة التي استند المرسل عليها حتى تعامل مع الدية وكأنها شربة ماء. الخوف الأكبر من مثل هذه التجاوزات لسبب صريح آخر: أنها تؤطر لمرحلة اجتماعية جديدة قاسية، وهي عدم الاكتراث بشيء وضرب الجميع بعرض الحائط وهذا مكمن الخطورة الأول والأخير. [email protected]