تضخّ المزارع المترامية الأطراف في محافظة وادي الدواسر كميات ضخمة من الحبحب (البطيخ) والشمام إلى مناطق المملكة، ما أهّل المحافظة إلى تصدر المحافظات المصدرة لهاتين الفاكهتين في السعودية. على مساحة تقدر بنحو 3650 هكتاراً من الأرض، تمتد مزارع البطيخ والشمام في وادي الدواسر، التي يبلغ معدل إنتاجها السنوي نحو 168 ألف طن من الفاكهتين الأثقل وزناً. ومع بداية فصل الصيف من كل عام، تنطلق قوافل من سيارات النقل الصغيرة المحملة بهذين النوعين من وادي الدواسر إلى مناطق المملكة محملة بالأطنان، وليس ذلك فحسب، بل إلى دول خليجية أيضاً. ويحتاج الهكتار الواحد من الأرض المزروعة الذي تتراوح كلفة زراعته على المزارع بين 6 و8 آلاف إلى 23 سيارة نقل صغيرة تقريباً لتحميل إنتاجه (حمولة السيارة الواحدة طنان). الفاكهة التي طالما اقترن تعريفها للأطفال بلغز شهير عن مدينة سماؤها خضراء وأرضها حمراء وسكانها سود ومفتاحها حديد، بسبب تكوينها الغريب، أقحمت كثيراً في الدلالة على غموض المستقبل، كما هو غموض «لبها». وعلى غرار بورصة «داون جونز» و«وول ستريت» وغيرها من البورصات العالمية يقيم تجار الحبحب في وادي الدواسر بورصة للفاكهة الأشهى صيفاً، لمدة شهرين، مع فارق بسيط في أوقات انطلاق التداول، الذي يبدأ فجراً في وادي الدواسر وينتهي مع منتصف الليل، في مدة تتجاوز 18 ساعة، لتستمر الأسعار في التذبذب على مدى الشهرين الأشد حرارة خلال العام. جالت «الحياة» في مزارع البطيخ بوادي الدواسر، وتحدثت إلى المزارعين هناك، الذين أكدوا ان اخطر ما يهدد زراعتهم الآفات الزراعية، وفي مقدمها المن والتربس والعنكبوت والذبابة البيضاء والذبول. واشتكى المزارع صايل آل ربيع من ارتفاع كلفة المبيدات، «يصل سعر اللتر الواحد من بعض المبيدات إلى 700 ريال، وهي كمية لا تكفي لهكتار واحد»، مؤكداً أن زراعة الحبحب تحتاج إلى عناية فائقة بهذه الفاكهة. وقال الدوسري إن سلامة الموسم من الآفات الزراعية تعود إلى توفيق الله أولاً ثم أسعار السوق المعتمدة على العرض والطلب، «إلا أن التسويق عائق آخر لنا كمزارعين ومستثمرين في زراعة الحبحب والشمام، حيث تكتسح منتجات الشركات الزراعية الكبرى الأسواق، ما يلحق الضرر بنا نحن صغار المزارعين». أحد المهندسين الزراعيين المشرفين على عدد كبير من مزارع الحبحب في وادي الدواسر المهندس محمد الأحمد تحدث ل «الحياة» عن زراعة القرعيات (الحبحب والشمام) في المحافظة. وقال: «تبدأ زراعة الحبحب والشمام في وادي الدواسر بداية الصيف، وتسبقها عمليات تحضير للتربة من حراثة وإضافة أسمدة عضوية، وتستمر فترة الزراعة حوالى 90 يوماً قبل جني أول الثمار». وعن فترة الإنتاج، أوضح أنها تستمر نحو 45 يوماً بحسب العائد من عمليات التسويق، مشيراً إلى أن المساحات المزروعة هذا العام في وادي الدواسر تصل إلى 2400 هكتار للحبحب و1250 هكتاراً للشمام. وحول المشكلات والعوائق التي يعانيها المزارعون، اعتبر الأحمد أن تقلص المساحات المزروعة بصفة مستمرة العائق الأهم، «لأن الأرض التي زرعت هذا العام بالحبحب تحتاج لتأخذ فترة زمنية تتراوح بين 5 و7 سنوات لزراعتها مرة أخرى، إضافة إلى تكاليف الإنتاج العالية نسبياً، فضلاً عن الحاجة الكبيرة للعمالة في عملية الإنتاج والقطف. وأضاف: «أما معاناة التسويق فلك أن تسأل المزارعين عنها، فهي الفترة الحرجة بالنسبة للمزارعين، لأنها في حال تدني الأسعار، فإن الخسائر تكون فادحة جداً للكلفة العالية للإنتاج». في السياق ذاته، يفد إلى سوق الحبحب الذي جهزته بلدية المحافظة ما لا يقل عن 600 سيارة يومياً، لمدة 20 يوماً، ومن المتوقع أن يتجاوز عدد السيارات هذا الرقم خلال الأيام القليلة المقبلة. وعلى رغم أن طرح الإنتاج لا يزال في بدايته إلا أن الأسعار مناسبة بحسب مزارعين، إذ يتراوح سعر السيارة في بداية الموسم بين 1200 و2000 ريال، ويتم تسويق هذا الإنتاج في مختلف المناطق والمحافظات. بدورهم، ينتظر تجار الحبحب افتتاح «بورصتهم» كل عام بفارغ الصبر، واعتبر بعضهم الأسعار هذا العام «مناسبة حتى الآن» للمنتج والمستهلك، مشيرين إلى أن الشركات الزراعية الكبرى تضر بعملهم وربحهم، كونها تصدر الفاكهة إلى الأسواق المحلية والخليجية مباشرة دون المرور على هذه السوق نتيجة الكميات الكبيرة في الإنتاج.