الصخب الذي ينبعث من غرفة الجلوس حيث يجتمع أصدقاء سامر (27 سنة) لمتابعة المونديال ستقبل به الأم لأيام معدودة فقط، ولن تصمت أمام احتكار الإبن والزوج للتلفاز. موقف ربة المنزل لقي استحساناً من بناتها، وشرارة الاحتجاج التي اندلعت يوم الافتتاح لم تنطفئ إلا باتفاق يمنح سامر ووالده صلاحيات التغيب ساعات من أجل مشاهدة المباريات خارج المنزل. ويبدو أن الفرصة ستكون مواتية للرجال في الأردن لمتابعة المباريات في شكل جماعي خارج منازلهم بعد أن بادر الأمير الحسين بن عبدالله الثاني بتوزيع شاشات عملاقة على 115 مركزاً شبابياً في محافظات المملكة بما يتيح للفئات كافة متابعة المباريات مجاناً. لكن الفرحة التي اعترت المطرودين من بيت أم سامر لم ترحمها. فهي تعرف أنها ستدخل في مرحلة من التذمر والملل تستمر شهراً كاملاً بسبب انشغال الزوج عنها وعن تلبية متطلبات المنزل وما سيترتب على ذلك من إلغاء مناسبات اجتماعية وأوقات تجمع أفراد العائلة. وفي الحالين فإن ما ستجلبه الأيام المقبلة لمن لا تستهويه المباريات «كابوس لا ينتهي» بحسب أم سامر التي تقول: «صحيح أن المباراة تنتهي في الخارج، لكن هذا لا يمنع من وقوع مناوشات على جهاز التحكم بين من يبحث عن محطات رياضية لمشاهدة الأهداف والتقارير التحليلية، وبين من يتابع حلقات مسلسلات اعتدنا على مشاهدتها». لكن بعيداً من كل تلك الحسابات، ينشغل سامر بحسبة من نوع آخر. يقول: «جزء كبير من راتبي سيذهب لتغطية مصاريف مشاهدة المباريات في المقاهي المنتشرة في عمان، والتي تسابقت في تجهيز شاشات العرض ومكبرات الصوت وتحضير الأجواء المناسبة لجمع المشجعين». ويوضح سامر الذي يعمل محاسباً ان فاتورة المقهى لا تقتصر على ثمن حضور المباراة التي تصل الى 6 دولارات بل يضاف اليها فاتورة المشروبات. ويهتم سامر كغيره من المولعين بكرة القدم بشراء القمصان الرياضية للمنتخبات الرياضية التي يفضلها، وفي كل مرة تنتهي فيها المباراة بفوز فريقه يخرج وأصدقاؤه بسيارته في «زفة» من نوع آخر للاحتفال وإعلان الفرحة. دريد الجمل (25 سنة) يفضل مشاهدة المباريات في المقاهي ويعتقد أن التقاء مشجعي الفريقين المتبارين يزيد من متعة المشاهدة التي غالباً ما تنتهي بمناوشات بين المشجعين. ويؤكد ان متابعاته للتلفاز داخل المنزل ستقتصر على التقارير الإخبارية والتحليلات التي تعقب المباراة. شهر كامل سيلعب فيه نجوم المنتحبات الرياضية ويصفه دريد «بالاستثنائي» اذ انه ينتظره كل أربع سنوات، وكان قد عمم على أفراد أسرته قبل أيام أن تأمين حاجات المنزل ينتهي بمجرد بدء المباريات. ولكن وعيده ذاك لم يلق قبول والدته التي تعتمد عليه في تدبر شؤون المنزل. ومن فرط عشق دريد لكل ما يبث على الشاشة ويتعلق بالكرة، يبقى متسمراً يتابع القنوات الرياضية فيما تصبح حساسيته مفرطة حيال كل من يستخف بردود أفعاله. يقول: «غالباً ما تقع مشادات كلامية في حال مر احد أفراد الأسرة أمام التلفاز خلال المباراة أو قبلها أو بعدها ولا أجد حرجاً في أن أجبر أحدهم على الزحف على الأرض ليأخذ غرضاً». سلمى (24 سنة) تلقت سيلاً من التعليمات من زوجها احمد بدري قبل بدء المباريات. وكان أحمد وفر مبلغ 100 دولار لشراء جهاز استقبال قادر على فك تشفير قناة «الجزيرة الرياضية» التي احتكرت البث، ووضع لزوجته تصوراً مسبقاً عن الأجواء التي سترافقه طيلة الشهر. حجز إحدى غرف المنزل، وضع فيها التلفاز وكنبة عريضة مريحة، احكم إغلاق النوافذ ومنع إنارة الغرفة، و «نصح» زوجته الشابة بزيارة أهلها وقضاء أيام عندهم مع الأولاد. وما زاد من حنق الزوجة أن أحمد تاجر ويجب أن يكون حريصاً على مصلحته لكنه في الأيام التي تُبث فيها المباريات لا يتردد في مغادرة متجره وتعليق بعض الأعمال. تقول سلمى: «في هذه الفترة اشعر بأن وجودي وغيابي سواء». لذا عقدت العزم على زيارة الأهل وتجديد صداقات منقطعة منذ مدة.