أثارت المنازعة بين شركة «آبل» وال «إف بي آي»، مجموعة من الأسئلة المقلقة. وفي المقابل، ذكّرت بوجود ضوء صغير لكنه مهم، على الأقل بالنسبة إلى الجمهور العام الذي يصعب على أفراده أن يكونوا على مستوى التمرّس التقني الذي تملكه مؤسّسات الدول أو خبير المعلوماتية سنودن! وقبل الخوض في تفاصيل ذلك الضوء، يجدر التذكير بأن امتلاك نظام لتشفير المعلومات الفرديّة لم يعد مسألة رفاهية ولا حتى هواية تقنيّة، بل بات مسألة ملحّة. وطريّ في الذاكرة أيضاً أن الرئيس الأميركي باراك أوباما، في التفاتة غير مألوفة إلى مسألة من ذلك النوع، طالب الجمهور العام بألا يعتبر مسألة التشفير موضوعاً تقنيّاً صرفاً ولا هامشيّاً، بل إنه «يجب على الجميع التدرّب على التشفير»، وفق كلماته التي لم يكن زمانها بعيداً من اللحظات المتوترة من تفجّر فضيحة التجسّس الإلكتروني الشامل ل «وكالة الأمن القومي» الأميركيّة. التمع ذلك الضوء الخافت من شركة «آبل»، تحديداً مع إطلاق هاتفها «آي فون 6». وقد رافقت انطلاقة ذلك الهاتف ضجّة كبرى، لكن قلّة اهتمت بحضور مسألة تشفير المعلومات في نظام تشغيل «آي فون 6». ومن الواضح أن «آبل» التقطت فعليّاً الخيط المستجد في الاتصالات المعاصرة، الذي يمثّله التشفير. ربما يصح أيضاً القول أن الشركة لم تنطلق من اهتمامها بحماية الجمهور، بمقدار اهتمامها بأرباحها، خصوصاً أن حصّتها في الهواتف الذكيّة باتت تتآكل باستمرار في ظل احتدام المنافسة مع هواتف مُشابهة قدّمتها شركات ك «سامسونغ» («غلاكسي») و «إتش تي سي» («ديزاير») و «نوكيا» («إكسبيرا») و «سوني» («نوت») و «كيندل» («فاير») وغيرها. في المقابل، يبدو ذلك أقرب إلى محاكمة على النيات. أليس بديهيّاً أن تهتم الشركات بأرباحها؟ هل النقاش يتعلّق بالتقنية وعلاقتها بالناس، أم بمحاكمة ضمائر من يصنع أدوات التقنيّة؟ إذاً، الأرجح أنها كانت بادرة ذكاء من «آبل» أن تلتفت إلى اهتمام الجمهور بحماية المعلومات التي يضعها الأفراد على هواتفهم الذكيّة، عبر إدماج نظام قوي للتشفير ضمن نظام تشغيل هواتف «آي فون 6»، وهو يحمل اسم «آي أوس 8» iOS8. ويشمل التشفير المعلومات التي تخزّن على ذلك الهاتف مباشرة، بمعنى أنها لا تشمل المعلومات الموجودة على الإنترنت، كتلك المتراكمة على شبكات التواصل الاجتماعي بأنواعها. وللمرّة الأولى، باتت مستطاعةً حماية المعلومات في الخليوي بأنواعها كافة، بما فيها الصور والرسائل وقوائم الأصدقاء ولوائح الاتصالات وقوائم تواريخ المكالمات، بمعنى أن هاتف «آي فون 6» يعمل على تشفيرها بصورة مؤتمتة، من دون أن يطلب منه ذلك. واستطراداً، من الضروري القول أن الجمهور يستطيع أن يساهم بنفسه في تدعيم نظام التشفير، عبر تغيير أرقام الدخول إلى بطاقة الخليوي (تعرف باسم «بي آي إن» PIN، وهي غالباً تتكوّن من 4 أرقام)، وجعلها كلمة شخصيّة تحتوي أرقاماً وحروفاً. «آبل» تصارع «إرث أوباما» وتستهل نظاماً عالمياً جديداً للإنترنت لنفترض أنها ... الصين! مقاومة تقودها «مايكروسوفت» فضيحة ما قبل المنازعة